أنّهم يجدون في ظلّها من كرامة العيش ، وشرف الحياة ما لا يجدون نظيره في ظّل الدول المتديّنة بدينهم ، والمنتحلة لعقائدهم ، والتاريخ الإسلاميّ المدوّن أفضل دليل على ذلك.
ففي التاريخ الإسلاميّ نرى ، كيف كان يرجّح النصارى واليهود الحياة في ظلّ الدولة الإسلاميّة ورعايتها على الحياة في ظلّ السلطات والدول التي كانوا يعيشون فيها ، وكيف أنّهم كانوا يفتحون صدورهم للفتوحات الإسلاميّة ، ويقبلون بسيادة المسلمين لأنّهم كانوا يجدون في كنفهم دفء الرحمة وحرارة الإيمان وبرد الإحسان.
ولأجل ذلك ، فإنّ أوّل خطوة خطاها رسول الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد استقراره في يثرب ـ المدينة ـ وبعد تشكيل أوّل حكومة إسلاميّة هو عقد وثيقة تعايش بين المسلمين وغيرهم وقّعها النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمون وأهل المدينة من اليهود وغيرهم ، تحدّد العلاقات الإنسانيّة ، والحقوق المتقابلة بين المسلمين وغيرهم ، وهي بذلك تعتبر قانوناً أساسياً للدولة الإسلاميّة ، بل تمثّل وثيقةً عالميّةً خالدةً لحقوق الإنسان.
وإليك مقتطفات مهمّة من هذه الوثيقة : « بسم الله الرّحمن الرّحيم ... هذا كتاب من محمّد النبيّ [ رسول الله ] بين المؤمنين والمسلمين من قريش و [ أهل ] يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم ، إنّهم امّة واحدة من دون النّاس ».
ثمّ بعد أن ذكر النبيّ القبائل الإسلاميّة وما يقع عليها من مسؤوليّة حفظ الأمن ومساعدة الضعيف وإجراء العدل والقسط ، ذكر اُموراً ترتبط بعامة المسلمين فكتب صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « وأن لايخالف مؤمن مولى مؤمن دونه [ أي لا ينقض عهداً عهده مع غيره ] وإنّ المؤمنين المتّقين أيديهم على كلّ من بغى منهم ، أو ابتغى دسيعة ظلم ، أو إثماً ، أو عدواناً أو فساداً بين المؤمنين ، وإنّ أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم ..
وإنّه من تبعنا من يهود فإنّ له النّصر والاسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.
وإنّ يهود بني عوف امّة مع المؤمنين ، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم