٢. سعة الحماية التي تقوم بها الحكومة الإسلاميّة لهذه الأقليّات.
٣. سعة الرحمة التي يشمل بها الدين الإسلاميّ الأقليّات.
إلى غير ذلك من النقاط الكليّة والجزئيّة التي يقف عليها المتتبّع بالإمعان في هذه الوثيقة الإسلاميّة التاريخيّة التي تمثّل ـ في حقيقتها ـ سياسة الحكومة الإسلاميّة اتّجاه الأقليّات وتصوّر اُسس هذه السياسة وخطوطها العريضة التي لا تجد لها مثيلاً في الحقوق الدوليّة المعاصرة !! وما عليك أيّها القارئ الكريم إلاّ أن تقايس هذه الحريّة المعطاة للأقليّات في مجال العقيدة ، بما جرى على فروة بن عمرو الذي كان عاملاً للروم على من يليهم من العرب ، فلمّا بعث فروة رسولاً بإسلامه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهدى له بغلة بيضاء طلبه الروم حتّى أخذوه فحبسوه عندهم فلمّا قدموا ليقتلوه أنشأ فروة قائلاً :
بلّغ سراة المسلمين بأنّني |
|
سلم لربّي أعظُمي وبناني (١) |
بل وقايسه بما جرى وحلّ بالنصارى على أيدي كنائسهم في محاكم التفتيش في القرون الوسطى ، وما وقع من مجازر شملت آلاف الناس بمن فيهم العلماء والمفكّرون لأجل الاختلاف العقيديّ (٢).
وقد ورد مفاد هذه الرسالة والوثيقة في وثائق وكتب اُخرى للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم اُعطيت لأهل الملل ، والعقائد غير الإسلاميّة رسم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها خطوط التعايش السلميّ الذي أشار إليه القرآن الكريم ، الذي يقوم على احترام الحقوق والعقائد للأقلّيّات الدينيّة.
لقد كانت معاملة الرسول الحسنة مع أهل الكتاب وما يسمّى الآن بالأقليّات الدينيّة قدوة للمسلمين دائماً ، فهذا هو الإمام أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام يوصي واليه بأهل الذمّة فيقول : « ولا تبيعنّ للنّاس في الخراج [ وهو ما يؤخذ من الضرائب على الأراضي العامة ] كُسوة شتاء ، ولا سيفاً ولا دابّةً يعتملُون عليها ولا عبداً ولا تضربنّ أحداً
__________________
(١) اُسد الغابة ٤ : ١٧٨.
(٢) راجع ما كتبه ويل دورانت في قصّة الحضارة.