بيننا وبينهُ ، فلولا الخُبزُ ما صلّينا ولا صُمنا ولا أدّينا فرائض ربّنا » (١).
وعن الإمام عليّ عليهالسلام أنّه قال : « وبالدّنيا تُحرزُ الآخرةُ » (٢).
ثمّ لا ريب في أنّ الإنسان مركّب من المادة والروح ، وأنّ لوجوده بعدين : بعداً ماديّاً ، وبعداً معنويّاً ، ولذلك لابد للإسلام كنظام للإنسان ومنهج للحياة أن يعتني بهذا البعد ( المادي ) أيضاً لأنّ تجاهله ما هو إلاّ تجاهل لنصف الإنسان.
وبعبارة اُخرى ، إنّ ( الغنى ) في الجانب المعنويّ ـ وحده ـ لا يكفي ، لأنّ الفقر الاقتصاديّ كفقر الدم تماماً ، إذ الاقتصاد عصب الحياة ، ودم يجري في عروق المجتمع ، ويضمن حياته وبقاءه ، فكما أنّ فقر الدم يوجب سلسلة من الأمراض والمضاعفات الخطيرة مثل ضعف السماع والبصر ، وظهور اللكنة في اللسان ، وتعرقل عمليات المخّ ، إلى غير ذلك من العوارض ، وألوان الخلل في وظائف الأعضاء فإنّ للفقر الاقتصاديّ والماديّ ( عوارض ) سيّئة ، وآثار خطيرة على الحياة الفرديّة والاجتماعيّة فهو يوجب ضعفاً في الهيكل الاجتماعيّ وتصدّعاً في تماسكه ، ولذلك يكون الاقتصاد مطروحاً للإنسان منذ أن يولد حتّى يوسّد في لحده ، هذا مضافاً إلى أنّ بقاء الاُصول الأخلاقيّة والتزام الصراحة ، ومناعة الطبع واستقلال الشخصيّة اُمور متفرّعة على الجانب الماديّ ، بمعنى أنّ الإبقاء على هذه الاُمور في غاية الصعوبة على من اضطرب أمر معاشه ، وأصابه الفقر ، واختلّ اقتصاده. فكم من إنسان ابتلي بصفة التملّق وفقدان الشهامة ، والاخلال بالواجب نتيجة الفقر ، واضطراب المعاش ؟ وكم من إنسان اضطّر إلى الكذب والخداع ، والمساومة على العقيدة والدين لهذا السبب ؟ بل وكم من شعب وقع فريسة الاستعمار والتبعيّة نتيجة التدهور الاقتصاديّ والحرمان الماديّ ، والحاجة إلى المساعدات ، فحرم المجد والعظمة ، وفقد الاستقلال ، والحريّة.
ومن هنا لم يكن للاُمم الفقيرة أي نصيب في العزّة والكرامة والمكانة الدوليّة
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٢ : ١٧.
(٢) نهج البلاغة : الخطبة ١٤٥.