والمصحّات ، وإجراء التلقيح الصحّي للوقاية إذا داهم البلد مرض معد ، وإقامة المختبرات والمؤسّسات للتحقيق في شؤون الطبّ ، وتعاهد أمر التنظيف البلديّ.
ومن المعلوم أنّ كلّ هذه الوظائف الثقيلة لا يمكن القيام بها إلاّ بواسطة الأجهزة المزوّدة بالتخطيط والقانون والمال ... ولهذا فإنّ مسؤوليّة العناية بالصحّة الفرديّة والصحّة العامّة تقع في الدرجة الاُولى على عاتق الحكومة الإسلاميّة استلهاماً من الأحاديث الحاثّة على الصحّة في المجالين ، بل ويمكن القول بأنّ هذه المسألة من أهمّ الواجبات التي تقع على كاهل الحكومة ... إذ الحصول على اُمّة قوّية متحرّكة متقدّمة منتجة مدافعة عن نفسها لا يتيسّر إلاّ بوجود اُمّة سالمة تتمتّع بالصحّة والعافية الكاملة.
إنّ على الحكومة الإسلاميّة أن تهتمّ ـ بواسطة أجهزتها المختصّة ومؤسسات وزارة الصحّة ـ بالصحّة العامّة فتراقب نظافة الشوارع والأزقّة ، وتراقب صانعي المأكولات والأطعمة والقصّابين والحمامات والمسابح العامّة لتكون موافقة مع قوانين الصحّة ، وتقيم المستشفيات والمصحّات ، وتقوم بتلقيح الأطفال والكبار ضد الأمراض الداهمة ، وتقوم بتوجيه النّاس إلى وظائفهم الصحّية وتفرض رقابة مشدّدة على الاجتماعات من الناحية الصحّية لتمنع من تسرّب أي مرض يهدّد سلامة الاُمّة ، ولعلّ من أهمّ ما يجب على الحكومة الإسلاميّة هو برنامج الضمان الصحّي لجميع افراد الاُمّة بلا استثناء ، لينشأوا أصحّاء البدن أقوياء البنية ... أخذا بقول الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم : « المُؤمنُ القويّ خير وأحبّ إلى الله من المُؤمن الضّعيف وفي كُلّ خير » (١).
وقد كان هذا هو سيرة المسلمين شعوباً وحكومات منذ الصدر الأوّل للإسلام ويدلّ على ذلك ما أقاموه هنا وهناك من مؤسّسات صحّية ، وشيّدوه من مختبرات علميّة طبيّة ، فقد كانت الحكومات الإسلاميّة الغابرة ترى نفسها ملزمة بإقامة الصحّة ورعايتها في المجتمع الإسلاميّ ، فكان القسم الأكبر من وظائف الصحّة الاجتماعيّة على عاتق المحتسبين ، وفي ذلك كتب ابن الاخوة الذي كان يعيش في القرن السابع الهجريّ حول
__________________
(١) سنن ابن ماجة : ٢ ، كتاب الزهد ، الباب ١٤ ، الحديث ٥ ، رقم التسلسل ٤١٦٨.