فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا ... (١) وهكذا انفرط عقد التحالف القرشيّ اليهوديّ الغطفانيّ بفعل نعيم وتخذيله والدور الذي لعبه كما يلعبه أي جاسوس يعمل لصالح جهة معيّنة ، وينفّذ تكتيك التفرقة بين قوى العدو ببث الشائعات والتخويف.
٦. وفي نفس الواقعة ( أي واقعة الخندق ) لمّا انتهى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما اختلف من أمرهم وما فرّق الله من جماعتهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلاً. وقال له : يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون ولا تحدّثن شيئاً حتّى تأتينا.
يقول : فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدراً ولا ناراً ولا بناء فقام أبو سفيان وقال : يا معشر قريش ، لينظر امرؤ من جليسه ؟
قال حذيفة : فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت : من أنت ، قال : فلان ابن فلان.
[ وفي شرح المواهب : فضربت بيدي على يد الذي عن يميني فأخذت بيده ، فقلت من أنت ؟ قال معاوية بن أبي سفيان ثمّ ضربت بيدي على يد الذي كان على شمالي فقلت من أنت ؟ قال : عمرو بن العاص ] (٢).
ثمّ راح أبو سفيان يتحدّث عن ما لحقهم من الخلاف والبلاء ومقتل عمرو بن ود وقال ارتحلوا فانّي مرتحل.
يقول حذيفة : فوالله لولا عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لقتلته بسهم.
ثمّ رجع إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأخبره بعزم قريش على الانسحاب من هذه المعركة والفرار.
وهذا يكشف عن أنّ هذا النوع من العمل كان ابتكاراً من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعملاً
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٢٩ ، ومغازي الواقديّ : ٤٨٠.
(٢) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٣٢ ومغازي الواقديّ : ٤٨٢.