( وأن لا ينقلوا أخبار المسلمين إلى أعدائهم ولا يدلّوا على عوراتهم فمن فعل شيئا من ذلك فقد نقض عهده وأحلّ دمه وماله وبرئت منه ذمّة الله ورسوله والمؤمنين ) (١).
وكتب القاضي أبو يوسف في كتابه الخراج يقول :
( سألت عن الجواسيس يوجدون وهم من أهل الذمّة أو أهل الحرب أو من المسلمين فإن كانوا من أهل الحرب أو من أهل الذمّة ممّن يؤدّي الجزية من اليهود والنصارى والمجوس فاضرب أعناقهم ، وإن كانوا من الإسلام معروفين فأوجعهم عقوبة وأطل حبسهم حتّى يحدثوا توبة ) (٢).
وهكذا يكون من وظائف الحكومة الإسلاميّة تشكيل جهاز قويّ مجهّز بكلّ الوسائل القويّة للتجسّس في الإطارات المذكورة التي مرّ عليك ذكرها.
على أنّ الإسلام ـ كعادته وكما أسلفنا ـ تعرّض في هذه المسألة لجوهر الأمر ولم يدخل في تفصيلاته وشكليّاته فإنّ كيفيّة التجسّس ونوع الرموز والأجهزة متروكة للزمن على أن تكون في إطار التقوى والأخلاق وحسب الشروط التي مرّت.
وجملة القول أنّ ما نفهمه من حياة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وسيرته السياسيّة هو الاهتمام الشديد الذي كان يبديه بمسألة الاستخبارات.
فإنّه وإن لم يكن في زمن النبيّ تشكيلات للاستخبارات على غرار ما يوجد الآن في العالم الحديث ولكن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان ـ مضافا إلى اتّخاذ العيون ـ قد ربّى المسلمين تربية سياسيّة رائعة بحيث أصبح كلّ مسلم يرى نفسه مسؤولا عن الأمن فكانوا يرفعون إليه فوراً كلّ خبر يرتبط بهذا الأمر ، فها هو زيد بن أرقم ـ وهو غلام يافع ـ عندما يسمع أحد قادة الطابور الخامس ( عبد الله بن اُبي ) في غزوة بني المصطلق وهو يقول : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذل ويعني بالأعز نفسه وبالأذلّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : أنت والله الذليل القليل المبغض ومحمّد في عزّ من الرحمن ومودّة من المسلمين ..
__________________
(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٤٤٢.
(٢) كتاب الخراج : ٢٠٥ ـ ٢٠٦.