ذلك الحكم في الحقائق التكوينيّة أو في الشرائع الوضعيّة (١) الاعتباريّة ، وقد أيّد كلامه تعالى هذا المعنى ، كقوله : ( إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ للهِ ) ( الأنعام : ٥٧ يوسف : ٦٧ ) وقوله تعالى : ( أَلا لَهُ الحُكْمُ ) ( الأنعام : ٦٢ ) وقوله تعالى : ( لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَىٰ وَالآخِرَةِ وَلَهُ الحُكْمُ ) ( القصص : ٧٠ ) وقوله تعالى : ( وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ) ( الرعد : ٤١ ) ولو كان لغيره تعالى حكم لكان له أن يعقّب حكمه ويعارض مشيئته ، وقوله تعالى : ( فَالْحُكْمُ للهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) ( غافر : ١٢ ) إلى غير ذلك.
ويدل على اختصاص خصوص الحكم التشريعي به تعالى ، قوله : ( إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) ( يوسف : ٤٠ ) فالحكم لله سبحانه لا يشاركه فيه غيره ، على ظاهر ما يدلّ عليه ما مرّ من الآيات ، غير أنّه تعالى ربّما ينسب الحكم مطلقاً وخاصةً التشريعيّة منه إلى غيره ، كقوله تعالى : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ) ( المائدة : ٩٥ ) وقوله لداوود عليهالسلام : ( إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ ) ( ص : ٢٦ ) وقوله للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ ) ( المائدة : ٤٩ ) وقوله ( يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ ) ( المائدة : ٤٤ ) إلى غير ذلك من الآيات وضمّها إلى القبيل الأوّل يفيد ، أنّ الحكم الحقّ لله سبحانه ب ( الأصالة ) وأوّلاً ، لا يستقلّ به أحد غيره ، ويوجد لغيره بإذنه وثانياً. ولذلك عدّ تعالى نفسه أحكم الحاكمين وخيرهم ، لما أنّه لازم الأصالة والاستقلال والأوّليّة ، فقال : ( أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الحَاكِمِينَ ) ( التين : ٨ ) وقال : ( وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ ) ( الأعراف : ٨٧ ) (٢) ».
وكتب حول قوله تعالى : ( أَلا لَهُ الحُكْمُ ... ) ( الأنعام : ٦٢ ) أيضاً يقول : ( قوله
__________________
(١) المصطلح لدى الاُصولييّن في الوضعيّة هو الأحكام والقوانين المجعولة كالسببيّة والشرطيّة والرئيسيّة والمرؤوسيّة والحاكميّة والمحكوميّة ويقابله الأحكام التكليفيّة الخمسة المعروفة كالوجوب والحرمة والكراهة والاستحباب والإباحة.
غير أنّ الأستاذ قدسسره أراد منها هنا مطلق الأحكام التشريعيّة سواء أكانت بلسان الوجوب والحرمة ، أم غيرها ، ممّا تسمّى ـ اصطلاحاً بالأحكام الوضعيّة.
(٢) تفسير الميزان ٧ : ١١٧ ـ ١١٨.