فقد روى البخاري عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : « ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلاّ كانت له بطانتان ، بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه ، وبطانة تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه ، فالمعصوم من عصمه الله » (١).
وروى البخاري أيضاً في صحيحه (٢) في باب ( وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم ) من كتب التفاسير بسنده عن ابن عباس ، قال :
خطب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : « ألا وإنّه يجاء برجال من امتي فيؤخذ بهم ذات الشّمال فأقول يا ربّ : أصحابي ... فيقول : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصّالح ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) فيقال : إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم ما فارقتهم » (٣).
فهل كان يجوز لصاحب الدعوة ـ والحال هذه ـ أنّ يتجاهل أمر القيادة من بعده ، ولا ينصب أحداً باسمه وشخصه ، ويدع تلك الاُمّة الحديثة العهد بالإسلام ، الناشئة في الدين ، التي لم تترسّخ العقيدة الإسلاميّة في مشاعر الأكثريّة من أبنائها وأفرادها ، ولم تكتسب من التربية الفكريّة ، والإداريّة ما يجعلها قادرةً على إدارة نفسها بنفسها بحزم ، ومتمكّنةً من تدبير شؤونها بدراية وحنكة ؟!
أم لابدّ من تعيين قائد ونصب زعيم مدير لها بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يكون له من المؤهلات
__________________
(١) صحيح البخاري ٤ : باب ( بطانة الإمام وأهل مشورته ) : ١٥٠.
(٢) صحيح البخاري ٣ : ٨٥.
(٣) وقد ورد هذا الحديث بنصّه وطوله ، أو باختلاف يسير في : كتاب التفسير في باب ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ) وفي باب ( كيف الحشر ) من صحيح البخاري نفسه ، وفي صحيح مسلم في كتاب الجنّة ونعيمها ، وفي صحيح الترمذيّ بطريقتين باب ( ما جاء في شأن الحشر ) وفي أبواب ( تفسير القرآن ) ، وفي صحيح النسائيّ ( ج ١ ) في ذكر أوّل من يكسى ، وفي مستدرك الحاكم في كتاب التفسير في ( سورة الزخرف ) ، وفي مسند أحمد بن حنبل ( ج١ : ص٢٣٥ وص ٢٥٣ ) وفي مسند الطيالسيّ ( ج ١ ) في أحاديث سعيد بن جبير عن ابن عبّاس.
وفي الدرّ المنثور للسيوطيّ في تفسير قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ) وقال أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذيّ.