الضرر المظنون ؛ فإنّ العقل مستقلّ بقبحه ووجود المفسدة فيه واستحقاق العقاب عليه ؛ لأنّه تشريع.
لكن هذا لا يختصّ بما علم إلغاؤه ، بل هو جار في كلّ ما لم يعلم اعتباره. توضيحه :
أنّا قدّمنا لك في تأسيس الأصل في العمل بالمظنّة (١) : أنّ كلّ ظنّ لم يقم على اعتباره دليل قطعيّ ـ سواء قام دليل على عدم اعتباره أم لا ـ فالعمل به بمعنى التديّن بمؤدّاه وجعله حكما شرعيّا ، تشريع محرّم دلّ على حرمته الأدلّة الأربعة. وأمّا العمل به بمعنى إتيان ما ظنّ وجوبه مثلا (٢) أو ترك ما ظنّ حرمته من دون أن يتشرّع بذلك ، فلا قبح فيه إذا (٣) لم يدلّ دليل من الاصول والقواعد المعتبرة يقينا على خلاف مؤدّى هذا الظنّ ، بأن يدلّ على تحريم ما ظنّ وجوبه أو وجوب ما ظنّ تحريمه.
فإن أراد أنّ الأمارات التي يقطع بعدم حجّيّتها ـ كالقياس وشبهه ـ يكون في العمل بها بمعنى التديّن بمؤدّاها وجعله حكما شرعيّا ، ضرر أعظم من الضرر المظنون ، فلا اختصاص لهذا الضرر بتلك الظنون ؛ لأنّ كلّ ظنّ لم يقم على اعتباره قاطع يكون في العمل به بذلك المعنى هذا الضرر العظيم ، أعني التشريع.
وإن أراد ثبوت الضرر في العمل بها بمعنى إتيان ما ظنّ وجوبه
__________________
(١) راجع الصفحة ١٢٥.
(٢) لم ترد «مثلا» في (ت) و (ل).
(٣) في (ت) : «إذ».