٣ ـ العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرّمات |
الثالث : أنّه لو سلّمنا أنّ الرجوع إلى البراءة لا يوجب شيئا ممّا ذكر من المحذور البديهيّ ، وهو الخروج عن الدين ، فنقول : إنّه لا دليل على الرجوع إلى البراءة من جهة العلم الإجماليّ بوجود الواجبات والمحرّمات ؛ فإنّ أدلّتها مختصّة بغير هذه الصورة ، ونحن نعلم إجمالا أنّ في المظنونات (١) واجبات كثيرة ومحرّمات كثيرة.
والفرق بين هذا الوجه وسابقه : أنّ الوجه السابق كان مبنيّا على لزوم المخالفة القطعيّة الكثيرة المعبّر عنها بالخروج عن الدين ، وهو محذور مستقلّ وإن قلنا بجواز العمل بالأصل في صورة لزوم مطلق المخالفة القطعيّة.
وهذا الوجه مبنيّ على أنّ مطلق المخالفة القطعيّة غير جائز ، وأصل البراءة في مقابلها غير جار ما لم يصل المعلوم الإجماليّ إلى حدّ الشبهة الغير المحصورة ، وقد ثبت في مسألة البراءة : أنّ مجراها الشكّ في أصل التكليف ، لا الشكّ في تعيينه مع القطع بثبوت أصله ، كما في ما نحن فيه.
فإن قلت : إذا فرضنا أنّ ظنّ المجتهد أدّى في جميع الوقائع إلى ما يوافق البراءة ، فما تصنع؟
قلت :
أوّلا : إنّه مستحيل ؛ لأنّ العلم الإجماليّ بوجود الواجبات والمحرّمات الكثيرة في جملة الوقائع المشتبهة يمنع عن حصول الظنّ بعدم وجوب شيء من الوقائع المحتملة للوجوب وعدم حرمة شيء من الوقائع المحتملة
__________________
(١) في (ت) و (ص) : «المشتبهات».