تجعل كاشفة عن كون الظنّ في الجملة حجّة علينا بحكم الشارع ، كما يشعر به قوله : كان بعض الظنون أقرب إلى الحجّيّة من الباقي. وإمّا أن تجعل (١) منشأ لحكم العقل بتعيّن (٢) إطاعة الله سبحانه حين الانسداد على وجه الظنّ ، كما يشعر به قوله : نظرا إلى حصول القوّة لتلك الجملة ؛ لانضمام الظنّ بحجّيّتها إلى الظنّ بالواقع.
فعلى الأوّل ، إذا كان الظنّ المذكور مردّدا بين الكلّ والبعض (٣) اقتصر على البعض ، كما ذكره ؛ لأنّه المتيقّن. وأمّا إذا تردّد ذلك البعض بين الأبعاض ، فالمعيّن لأحد المحتملين أو المحتملات لا يكون إلاّ بما يقطع بحجّيّته ، كما أنّه إذا احتمل في الواقعة الوجوب والحرمة لا يمكن ترجيح أحدهما بمجرّد الظنّ به إلاّ بعد إثبات حجّيّة ذلك الظنّ.
بل التحقيق : أنّ المرجّح لأحد الدليلين عند التعارض ـ كالمعيّن لأحد الاحتمالين ـ يتوقّف على القطع باعتباره عقلا أو نقلا ؛ وإلاّ فأصالة عدم اعتبار الظنّ لا فرق في مجراها بين جعله دليلا وجعله مرجّحا.
هذا ، مع أنّ الظنّ المفروض إنّما قام على حجّيّة بعض الظنون في الواقع من حيث الخصوص ، لا على تعيين الثابت حجّيّته بدليل الانسداد ، فتأمّل.
وأمّا على الثاني ، فالعقل إنّما يحكم بوجوب الإطاعة على الوجه
__________________
(١) في (ر) ، (ص) ، (م) و (ه) : «يجعل».
(٢) كذا في (ت) ، (ر) و (ه) ، وفي غيرها : «بتعيين».
(٣) لم ترد «والبعض» في (ظ) ، (ل) و (م) ، نعم ورد في هامش (ل) تصحيحا.