والغفلة منه في المراد بالترجيح هنا. فقال معترضا على القائل بما قدّمنا ـ من أنّ ترجيح أحد المحتملين عين تعيينه بالاستدلال ـ بقوله :
كلامّ آخر للفاضل النراقي في ترجيح مظنون الاعتبار بمطلق الظنّ |
إنّ هذا القائل خلط بين ترجيح الشيء وتعيينه ولم يعرف الفرق بينهما ، ولبيان هذا المطلب نقدّم مقدّمة ، ثمّ نجيب عن كلامه ، وهي :
أنّه لا ريب في بطلان الترجيح بلا مرجّح ؛ فإنّه ممّا يحكم بقبحه العقل والعرف والعادة ، بل يقولون بامتناعه الذاتيّ كالترجّح بلا مرجّح ، والمراد بالترجيح بلا مرجّح هو سكون النفس إلى أحد الطرفين والميل إليه من غير مرجّح وإن لم يحكم بتعيينه وجوبا ، وأمّا الحكم بذلك فهو أمر آخر وراء ذلك. ثمّ أوضح ذلك بأمثلة :
منها : أنّه لو دار أمر العبد في أحكام السلطان المرسلة إليه بين امور ، وكان بعضها مظنونا بظنّ لم يعلم حجّيّته من طرف السلطان ، صحّ له ترجيح المظنون ، ولا يجوز له الحكم بلزوم ذلك.
ومنها : أنّه لو اقدم (١) إلى (٢) أحد طعامان أحدهما ألذّ من الآخر فاختاره عليه ، لم يرتكب ترجيحا بلا مرجّح ، وإن لم يلزم أكل الألذّ ، ولكن لو حكم بلزوم الأكل لا بدّ من تحقّق دليل عليه ، ولا يكفي مجرّد الألذّيّة. نعم لو كان أحدهما مضرّا صحّ الحكم باللزوم.
ثمّ قال :
وبالجملة : فالحكم بلا دليل غير الترجيح بلا مرجّح ، فالمرجّح غير الدليل ، والأوّل يكون في مقام الميل والعمل ، والثاني يكون في مقام
__________________
(١) كذا في النسخ ، والأنسب : «قدّم».
(٢) في (ه) : «على».