يرجّح عليه في مثل المقام كما نبّهنا عليه عند الكلام في معمّمات نتيجة دليل الانسداد.
مدفوع : بأنّ المفروض في ما نحن فيه عدم وجوب الأخذ بما وافق الاحتياط من الخبرين لو لا الظنّ ؛ لأنّ الأخذ به : إن كان من جهة اقتضاء المورد للاحتياط ، فقد ورد عليه حكم الشارع بالتخيير المرخّص للأخذ بخلاف الاحتياط ، وبراءة الذمّة من الواقع في حكم الشارع بالعمل بالخبر المخالف له ؛ ولهذا يحكم بالتخيير أيضا وإن كان أحدهما موافقا للاستصحاب والآخر مخالفا ؛ إذ كما أنّ الدليل المعيّن للعمل به يكون حاكما على الاصول ، كذلك الدليل المخيّر في العمل به وبمعارضه.
وإن كان من جهة بعض الأخبار الدالّة على وجوب الأخذ بما وافق الاحتياط وطرح ما خالفه (١).
ففيه : ما تقرّر في محلّه (٢) ، من عدم نهوض تلك الأخبار لتخصيص الأخبار الدالّة على التخيير.
بل هنا كلام آخر ، وهو : أنّ حجّيّة الخبر المرجوح في المقام وجواز الأخذ به يحتاج إلى توقيف ؛ إذ لا يكفي في ذلك ما دلّ على حجّية كلا المتعارضين بعد فرض امتناع العمل بكلّ منهما ، فيجب الأخذ بالمتيقّن جواز العمل به وطرح المشكوك ، وليس المقام مقام التكليف المردّد بين التعيين والتخيير حتّى يبنى على مسألة البراءة والاشتغال.
__________________
(١) المستدرك ١٧ : ٣٠٣ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢.
(٢) انظر مبحث التعادل والتراجيح ٤ : ٤٠.