الصفوف مما يلي قبلة المسجد ، وأقطع أحمد بن اسرايل الكاتب أيضا بالقرب من ذاك ، وأقطع محمد بن موسى المنجم وأخوته وجماعة من الكتّاب والقواد والهاشميين وغيرهم ، وعزم المتوكل أن يبتني مدينة ينتقل إليها وتنسب إليه ويكون له بها الذكر فأمر محمد بن موسى المنجم ومن يحضر بابه من المهندسين أن يختاروا موضعا فوقع اختيارهم على موضع يقال له الماحوزة وقيل له إن المعتصم قد كان على أن يبني هاهنا مدينة ويحفر نهرا قد كان في الدهر القديم ، فاعتزم على ذلك وابتدأ النظر فيه في سنة خمس وأربعين ومائتين ، ووجّه في حفر ذلك النهر ليكون وسط المدينة ، فقدر النفقة على النهر ألف ألف وخمسمائة ألف دينار ، فطاب نفسا بذلك ورضي به وابتدأ الحفر وأنفقت الأموال الجليلة على ذلك النهر واختط موضع قصوره ومنازله وأقطع ولاة عهوده وسائر أولاده وقواده وكتّابه وجنده والناس كافة.
ومد الشارع الأعظم من دار أشناس التي بالكرخ وهي التي صارت للفتح ابن خاقان مقدار ثلاثة فراسخ إلى قصوره ، وجعل دون قصوره ثلثة أبواب عظام جليلة يدخل منها الفارس برمحه ، وأقطع الناس يمنة الشارع الأعظم ويسرته وجعل عرض الشارع الأعظم مائتي ذراع وقدّر أن يحفر جنبي الشارع نهرين يجري فيهما الماء من النهر الكبير الذي يحفره.
وبنيت القصور وشيدت الدور وارتفع البناء وكان يدور بنفسه فمن رآه قد جدّ في البناء أجازه وأعطاه ، فجدّ الناس وسمّى المتوكل هذه المدينة الجعفرية ، واتصل البناء من الجعفرية إلى الموضع المعروف بالدور ثم بالكرخ وسرّ من رأى مادا إلى الموضع الذي كان ينزله ابنه أبو عبيد الله المعتز ليس بين شيء من ذلك فضاء ولا فرج ولا موضع لا عمارة فيه فكان مقدار ذلك سبعة فراسخ ، وارتفع البنيان في مقدار سنة وجعلت الأسواق في موضع معتزل وجعل في كل مربعة وناحية سوقا ؛ وبني المسجد الجامع.
وانتقل المتوكل إلى قصور هذه المدينة أول يوم من المحرم سنة سبع وأربعين ومائتين ، فلما جلس أجاز الناس بالجوائز السنية ووصلهم وأعطى جميع