فإن ذلك كله ، صريح في : ذل ومهانة قبيلة تيم ، التي ينتسب إليها أبو بكر.
وكذلك الشعر الذي قاله عوف بن عطية في قبيلتي تيم وعدي (١).
وما ذكره معاوية في رسالته لزياد (٢).
لقد كان من الطبيعي أن يأنف من ذلك ، ويرفضه ويأباه حتى لو ألح عليه أبو بكر بقبوله ، وقدم له الالتماس تلو الالتماس ، والرجاء بعد الرجاء؟! ..
٥ ـ إن هذا العطاء الجزيل من أبي بكر ، وهو عشرة فرائض ، مقابل الواحدة ، والاثنتين ، والثلاث التي كان يعطيه إياها الآخرون ، يجعل أبا بكر في مصاف أجواد العرب مثل حاتم الطائي ، وزيد الخيل ، ولا بد أن يطير ذكره في البلاد ، ويسمع به ويتداول أخبار جوده الصغير والكبير من العباد ، ولكننا لم نر أي أثر لذلك فيما قرأناه من فصول التاريخ.
٦ ـ ويزيد الأمر وضوحا : أن الذي أحسن إليه أبو بكر هذا الإحسان العظيم الذي لا ينسى. لا يعرف أبا بكر ولا يميزه عن غيره ، بل يسأل عنه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فكيف لا يعرف العظماء أقرانهم؟!
وكيف نسي عروة هذا المتفضل عليه بهذه السرعة؟!
ألم يكن من المفترض : أن تصبح صورته محفورة في قلبه ، لا يمحوها منه مر الأيام والليالي ، وكر العصور والدهور؟! .. ولا سيما إذا كان فراقه له لم يطل أكثر من ست سنوات ، وذلك على كبر السن ، واكتمال الملامح وثباتها .. لا في أيام الطفولة أو الشباب ، ليكون التغيير في الملامح سببا في اشتباه الأمر عليه.
__________________
(١) طبقات الشعراء لابن سلام ص ٣٨.
(٢) كتاب سليم بن قيس (ط النجف) ص ١٤٠.