يسيرا ثم أمر به ذات اليمين إلى الجنّة ، ثم نادى المنادي : أين عثمان بن عفّان ، فخرج رجل طويل القامة ، حسن الوجه ، طلق يتبسم أحيانا ، يصفّر لحيته ، فأخذت الملائكة بيده ، فأوقفوه أمام الله ، فحوسب حسابا يسيرا ، ثم أمر به ذات اليمين إلى الجنّة ، ثم نادى المنادي : أين علي بن عبد مناف ، فخرج رجل ربعة ، عظيم البطن ، مضطرب (١) الساقين ، أصلع ، أبيض الرأس واللحية ، فأخذت الملائكة بيده ، فأوقفوه أمام الله ، فحوسب حسابا يسيرا ثم أمر به ذات اليمين إلى الجنّة ، ثم قال عمر : يا أبا حازم ، فلمّا أن قرب الأمر منّي شغلت بنفسي ، فجعل المنادي ينادي بالخلفاء الذين بيني وبين علي : أين فلان ، لا أدري ما يفعل بهم ، إذ نادى المنادي : أين عمر بن عبد العزيز؟ فتصبّبت عرقا ، فذلك العرق الذي رأيتموه ، ثم أخذت الملائكة بيدي فأوقفوني أمام الله ، فسألني عن الفتيل والنقير والقطمير ، وعن كلّ قضية قضيت بها حتى ظننت أنّي لست بناج ، ثم إنّ الله تفضّل عليّ برحمته فغفر لي ، وأمر بي ذات اليمين إلى الجنّة ، فمررت بجيفة ملقاة ، فقلت للملائكة : من هذا؟ قالوا : كلّمه يكلّمك ، فوكزته برجلي ، فرفع رأسه وفتح عينيه ، فإذا رجل أفطس ، أثرم ، شديد الأدمة ، وحش المنظر ، فقال لي : من أنت؟ قلت : عمر بن عبد العزيز ، قال : فما فعل الله بك؟ قلت : تفضّل عليّ برحمة منه ، فغفر لي ، وأمر بي ذات اليمين ، قال : فما فعل أصحابك الخلفاء الذين معك؟ قلت : أما أربعة فغفر لهم وأمر بهم ذات اليمين إلى الجنّة ، وأمّا الباقون فلا أدري ما فعل بهم ، فسبق إليّ البكاء ، ثم قال لي : هنّاك ما صرت إليه؟ قلت : من تكون؟ قال : أنا الحجّاج بن يوسف ، قدمت على ربّي فوجدته شديد العقاب ذا بطشة ، منتقم ممن عصاه ، فقتلني بكلّ قتلة قتلت قتلة ، وبكلّ شيء قتلت قتلة مثله ، ثم ها أنا ذا موقوف بين يدي [ربي](٢) أنتظر ما ينتظر الموحّدون من ربّهم إمّا إلى الجنّة ، وإمّا إلى النار ، قال أبو حازم : فأعطيت الله عهدا من رؤيا عمر بن عبد العزيز ألّا أقطع الشهادة على أحد يقول لا إله إلّا الله ، انتهى (٣).
__________________
(١) في الحلية : دقيق الساقين.
(٢) سقطت من الأصل ، واستدركت للإيضاح عن الحلية.
(٣) قال أبو شامة في المختصر الورقة ١١٧ : قلت : قد تقدم في حرف السين في ترجمة سلمة بن دينار أبي حازم الأعرج دون هذه الترجمة إن كان صاحب هذه الترجمة معروفا فإن أحدا من الحفّاظ لم يذكره في كتابه ، ولم يسبق الحافظ ذكره في شيء سوى هذه الحكاية الأولى وراويها بقية بن الوليد على ضعفه عن رجل مجهول ، فكيف يقدمها الحافظ أبو القاسم على رواية مثل عبد الله بن المبارك وغيره عن مثل سفيان الثوري عن أبي الزناد فإذا لم يقدم رواية ابن المبارك على رواية بقية فلا أقل من أن يجعلهما قضيتين ، والأشبه أن يكون الوهم في رواية بقية عن الرجل المجهول حيث جعل أبا حازم خناصريا ، والقدوم إلى دمشق والله أعلم.