بها ألسنة الحمقى (١) ، ولا يعرف الأعمى ما يبصره البصير من محاسنه وقباحه.
قال أبو القاسم القشيري (٢) :
ومنهم أبو الخير الأقطع. مغربي الأصل. سكن تينات ، وله كرامات ، وفراسة حادّة. كان كبير الشأن.
قال أبو الحسين القيرواني (٣) :
زرت أبا الخير التّيناتي ، فلما ودعته خرج معي إلى باب المسجد ، فقال : يا أبا الحسين (٤) ، أنا أعلم أنّك لا تحمل معك معلوما ، ولكن احمل هاتين التفاحتين. فأخذتهما ، ووضعتهما في جيبي وسرت. فلم يفتح لي بشيء ثلاثة أيام ، فأخرجت واحدة منهما ، فأكلتها ، ثم أردت أن أخرج الثانية فإذا هما في جيبي ، فكنت آكل منهما ، وتعودان ، إلى باب الموصل ؛ فقلت في نفسي : إنهما تفسدان علي حال توكلي إذا صارتا معلوما لي ، فأخرجتهما من جيبي بمرة ، فنظرت ، فإذا فقير (٥) ملفوف في عباءة يقول : أشتهي تفاحة ، فناولتهما إياه ، فلما عبرت وقع لي أن الشيخ إنما بعث بهما إليه ، وكنت في رفقة في الطريق ، فانصرفت إلى الفقير ، فلم أجده.
قال أبو نعيم الأصبهاني (٦) :
سمعت غير واحد ممن لقي أبا الخير يقول : إن سبب قطع يده أنه كان عاهد الله ألّا يتناول بشهوة نفسه شيئا مشتهيا (٧) ، فرأى يوما بجبل لكّام (٨) شجرة زعرور ، فاستحسنها ، فقطع منها غصنا ، فتناول منها شيئا من الزعرور ، فذكر عهده ، فتركه (٩). ثم كان يقول : قطعت غصنا فقطع مني عضو.
__________________
(١) إلى هنا الخبر في صفة الصفوة.
(٢) رواه أبو القاسم القشيري في الرسالة القشيرية ص ٣٩٤.
(٣) الخبر في صفة الصفوة ٤ / ٢٨٥.
(٤) في صفة الصفوة أنه رجل فقير يعرف بالأنصاري.
(٥) في صفة الصفوة : فإذا بعليل ينادي من الخراب.
(٦) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ١٠ / ٢٧٨.
(٧) في مختصر أبي شامة : مشتها ، والمثبت عن حلية الأولياء.
(٨) جبل اللكام : بالضم وتشديد الكاف ، ويروى بتخفيفها : الحبل المشرف على أنطاكية (معجم البلدان).
(٩) في الحلية : وتركه.