قال أبو ذر الهروي :
سمعت عيسى بن أبي الخير التّيناتي بمصر ـ وكان رجلا صالحا ـ وقلت له : لم كان أبوك أقطع؟ قال : ذكر لي أنّه كان عبدا أسود. قال : فضاق صدري في الملك ، فدعوت الله ، فأعتقت ، فكنت أجيء إلى الإسكندرية ، فاحتطب ، وأتقوت بثمنه ، وكنت أدخل المسجد أقف على الحلق ، وأعلم أنهم لا يعلّموني شيئا ، لأني عبد أسود ، فكنت أقف عليهم ، فيسهل الله على لسانهم ما كنت أريد أن أسأل عنه ، فأحفظه ، وأستعمل ذلك.
سمعت (١) مرة حكاية يحيى بن زكريا وما عملوا به ، فقلت في نفسي : إن الله ابتلاني بشيء في بدني صبرت. ثم خرجت إلى الثغر بطرسوس (٢) ، وكنت آكل المباحات ، ومعي حجفة (٣) وسيف. وكنت أقاتل (٤) العدو مع الناس ، فآواني الليل إلى غار هناك ، فقلت في نفسي : إني أزاحم الطير في أكل المباحات ، فنويت ألا آكل فمررت بعد ذلك بشجرة ، فقطعت منها شيئا ، فلما أردت [أن](٥) آكله ذكرت ، فرميته ، ثم دخلت المغارة بالليل ، فإذا هناك ... (٦) قطعوا الطريق ، ودخلوا إلى الغار قبلي ولم أعلم ، فلما دخلت إلى هناك ، فإذا نحن بصاحب الشرطة يطلبهم ، فدخل الغار ، فأخذهم ، وأخذني معهم ، فقدموا جميعا ، فقطعوا. فلما قدّمت قالت اللصوص : لم يكن هذا الأسود معنا ، وكان أهل الثغر يعرفونني ، فغطى الله عنهم حتى قطعوا يدي ، فلما مدّوا رجلي قلت : يا رب ، هذه يدي قطعت لعقد عقدته ، فما بال رجلي؟! فكأنه كشف عنهم ، وعرفوني ، وقالوا : هذا أبو الخير! واغتمّوا (٧). فلما أرادوا أن يغمسوا يدي في الزيت امتنعت ، وخرجت ، ودخلت الغار ، وبت ليلة عظيمة ، فأخذني النوم ، فرأيت النبي صلىاللهعليهوسلم في النوم ، فقلت : يا رسول الله ، فعلوا بي وفعلوا ، فأخذ يدي المقطوعة ، فقبّلها ، فأصبحت ولا أجد ألم الجرح ، وقد عوفيت.
وقال ابن جهضم : حدّثني بكر بن محمّد قال :
__________________
(١) كذا في مختصر أبي شامة ، وفي مختصر ابن منظور : ذكرت.
(٢) طرسوس : مدينة بثغور الشام بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم (معجم البلدان).
(٣) الحجفة : الترس ، جمعها الحجف.
(٤) في مختصر ابن منظور : أغزو.
(٥) زيادة للإيضاح.
(٦) كلمة غير واضحة في مختصر أبي شامة.
(٧) الطبقات الكبرى للشعراني ١ / ١٠٩ باختلاف الرواية.