وكان الإحسان الذي ذكر المنصور من أبي بكر : أن عبد الله بن الربيع الحارثي قدم المدينة بعد ما شخص عيسى بن موسى ، ومعه جند ، فعاثوا بالمدينة ، وأفسدوا ، فوثب عليه سودان المدينة والرّعاع والصبيان ، فقاتلوا جنده ، وطردوهم ، وانتهبوهم (١) ، وانتهبوا عبد الله بن الربيع ؛ فخرج عبد الله بن الربيع حتى نزل بئر المطلب يريد العراق على خمسة أميال إلى المدينة ـ بالميل الأول ـ وكسر السودان السجن ، وأخرجوا أبا بكر ، فحملوه حتى جاءوا إلى المنبر ، وأرادوا كسر حديده ، فقال لهم : ليس على هذا فوت ، دعوني حتى أتكلّم ، فقالوا له : فاصعد المنبر ، فأبى ، وتكلم أسفل من المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم حذّرهم الفتنة ، وذكرهم ما كانوا فيه ، ووصف عفو الخليفة عنهم ، وأمرهم بالسمع والطاعة ، فأقبل (٢) الناس على كلامه ، واجتمع القرشيون ، فخرجوا إلى عبد الله بن الربيع ، فضمنوا له ما ذهب منه ومن جنده ، وقد كان تأمّر على السودان زنجيّ منهم يقال له : وثيق ، فمضى إليه محمّد بن عمران بن إبراهيم بن محمّد بن طلحة ، فلم يزل يخدعه حتى دنا منه ، فقبض عليه ، وأمر من معه فأوثقوه ، فشدّوه في الحديد ؛ وردّ القرشيون عبد الله بن الربيع إلى المدينة ، وطلبوا ما ذهب من متاعه ، فردّوا ما وجدوا منه ، وغرموا لجنده. وكتب بذلك إلى المنصور ، فقبل منه. ورجع ابن أبي سبرة أبو بكر بن عبد الله إلى الحبس ، حتى قدم عليه جعفر بن سليمان ، فأطلقه ، وأكرمه ؛ فصار بعد ذلك إلى المنصور فاستقضاه ببغداد ، ومات ببغداد.
قال الزبير : وحدّثني سعيد بن عمرو قال :
كان أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عاملا لرياح (٣) بن عثمان بن حيان على مسعاة (٤) أسد وطيّىء ، فلما خرج محمّد بن عبد الله بن حسن جاءه أبو بكر بما صدّق من مسعاة أسد وطيّئ ، فدفع ذلك إليه ، فلمّا قتل محمّد أمر المنصور بحبس أبي بكر وتحديده. فحبس وحدد. فلما قام السودان بعبد الله بن الربيع الحارثي أخرج القرشيّون أبا بكر ، فحملوه على منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنهى عن معصية أمير المؤمنين ، وحثّ على طاعته. وقيل
__________________
(١) العبارة في نسب قريش : «فوثب عليهم سودان المدينة والصبيان والرعاع والنساء فقتلوا فيهم وطردوهم» والمثبت يوافق عبارة تاريخ بغداد.
(٢) كذا عند أبي شامة وتاريخ بغداد ، وفي نسب قريش : فافترق.
(٣) في مختصر ابن منظور : رباح ، تصحيف ، راجع تاريخ خليفة ص ٤٢٠.
(٤) سعى المصدق يسعى سعاية : إذا عمل على الصدقات ، وأخذ من أغنيائها ، وردها على فقرائها.