له : صلّ بالناس؟ فقال : إنّ الأسير لا يؤمّ. ورجع إلى محبسه. فلمّا ولّى المنصور جعفر بن سليمان بن علي المدينة أمر بإطلاق ابن أبي سبرة ، وأوصاه به ، وقال له : إنه إن كان أساء فقد أحسن. فأطلقه جعفر بن سليمان ، فجاء إلى جعفر ، فسأله أن يكتب له بوصاة إلى معن بن زائدة (١) ، وهو إذ ذاك على اليمن ، فكتب له بوصاة إليه ، فلقي الرابحي ، فقال : هل لك في الخروج معي إلى العمرة؟ قال : والله ما أخرجني من منزلي إلا طلب شيء لأهلي ؛ ما تركت عندهم شيئا ، قال ابن أبي سبرة : تكفاهم. فأمر لأهله بما يصلحهم ، وخرج به معه. فلمّا قضيا عمرتهما قال للرابحي : هل لك بنا في معن بن زائدة؟ قال : حال أهلي ما أخبرتك! فخرج معه ، وأمر لأهله بما يصلحهم.
وقدم ابن أبي سبرة على معن والرابحي معا (٢) ، فدخل عليه ابن أبي سبرة ، فدفع إليه كتاب جعفر بن سليمان ، فقرأه بالوصاة به. ثم قال له معن : جعفر أقوى على صلتك منّي ، انصرف ، فليس لك عندي شيء. فانصرف مغموما ، فلما انتصف النهار أرسل إليه ، فجاءه ، فقال له : يا بن أبي سبرة ، ما حملك على أن قدمت علي وأمير المؤمنين عليك واجد؟ ثم سأله : كم دينه؟ فقال : أربعة آلاف دينار ، فأعطاه إياها ، وأعطاه ألفي دينار ، فقال : أصلح بهما من أمرك. فانصرف ، وأخبر الرابحي ، فراح الرابحي إلى معن.
فأنشده الرابحي يقول في مدح لأبي الوليد أخي المهدي الغمر :
ملك بصنعاء الملوك ، له |
|
ما بين بيت الله والشّحر (٣) |
لو جاودته الريح مرسلة |
|
لجرى بجود فوق ما تجري |
حملت به أمّ مباركة |
|
فكأنّها بالحمل ما تدري |
حتى إذا ما تمّ تاسعها |
|
ولدته أوّل ليلة القدر |
فأتت به بيضا أسرّته |
|
يرجى لحمل نوائب الدهر |
مسح القوابل (٤) وجهه فبدا |
|
كالبدر ، أو أبهى من البدر |
__________________
(١) هو أبو الوليد معن بن زائدة الشيباني ترجمته في سير الأعلام ٧ / ٩٧ وتاريخ بغداد ١٣ / ٢٣٥.
(٢) في مختصر أبي شامة : معي.
(٣) الشحر : بكسر أوله وسكون ثانيه. الشط ، وهو صقع على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن ، قال الأصمعي هو بين عدن وعمان (معجم البلدان).
(٤) القوابل واحدتها القابلة ، وهي المرأة التي تقبل الولد وتتلقاه.