بعمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب وقد خالفا دينكم يكون الحرب بينكم وبين قومكم ، فأقبلوا يمشون إلى أبي طالب حتى جاءوه فقالوا : أنت سيدنا وأنصفنا في أنفسنا ، وقد رأيت الذي فعل هؤلاء السفهاء مع ابن أخيك من تركهم آلهتنا ، وطعنهم في ديننا ، وقد فرّق بيننا محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وأكفر آلهتنا ، وسب آباءنا فأرسل إلى ابن أخيك فأنت بيننا عدل ، قال : فأرسل أبو طالب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأتاه فقال له : هؤلاء قومك وذوو أسنانهم ، فأهل الشرف منهم (١) ، وهم يعطونك السواء فلا تمل عليهم كل الميل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قولوا ، اسمع قولكم» ، فقال أبو جهل بن هشام ترفضنا من ذكرك ، ولا تلزمنا ، ولا من آلهتنا في شيء ، وندعك وربك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن أعطيتكم ما سألتم أمعطي أنتم كلمة واحدة؟ لكم فيها خير ، تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم» ، فقال أبو جهل وهو مستهزئ : نعم ، لله أبوك ، لكلمة نعطيكها وعشرة أمثالها فقال : «قولوا : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له» ، فنفروا من كلامه وخرجوا مفارقين له ، وقالوا : (امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ ، ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ ، إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا؟ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ)(٢) وكان ممشاهم إلى أبي طالب لما لقوا من عمر ، وسمعوا منه.
أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن الفضل ، أنبأ أبو بكر البيهقي (٣) ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأ أبو بكر بن أبي دارم (٤) الحافظ بالكوفة ، نا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، نا أبي ، نا محمّد بن عبد الله الأسدي ، نا سفيان ، عن الأعمش ، عن يحيى بن عمارة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال :
مرض أبو طالب ، فجاءت قريش وجاء النبي صلىاللهعليهوسلم وعند رأس أبي طالب مجلس رجل ، فقام أبو جهل كي يمنعه ذاك وشكوه إلى أبي طالب ، فقال : يا ابن أخي ما تريد من قومك ، قال : «يا عم إنّما أريد منهم كلمة تذلّ لهم بها العرب ، ويؤدي إليهم بها الجزية العجم ، كلمة واحدة» ، قال : ما هي؟ قال : «لا إله إلّا الله» ، قال : فقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً ، إِنَّ هذا
__________________
(١) في سيرة ابن إسحاق : وأهل الشرف بينهم.
(٢) سورة ص ، الآيات ٦ إلى ٨.
(٣) رواه البيهقي في دلائل النبوة ٢ / ٣٤.
(٤) كذا بالأصل ، وفي دلائل النبوة : «حازم» وبهامشها عن نسخة : دارم.