الآخرة» فقال له عمه : والله يا ابن أخي لو لا رهبة أن ترى قريش إنّما ذعرني الجزع فتعهد بعهدي سبّة تكون عليك وعلى بني أبيك غضاضة لفعلت الذي تقول ، فأقررت بها عينك ، لما أرى من شدة وجدك لي ونصحك لي ، ثم إنّ أبا طالب دعا بني عبد المطلب ، فقال : إنكم لن تزالوا بخير ما سمعتم قول محمّد واتّبعتم أمره ، فاتبعوه وصدقوه ترشدوا ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند ذلك : «تأمرهم بالنصيحة وتدعها لنفسك»؟ فقال له عمه : أجل إنك لو سألتني هذه الكلمة وأنا صحيح لها لا تبعتك على الذي تقول ، ولكني أكره الجزع عند الموت ، فترى قريش أني أخذتها عند الموت وتركتها وأنا صحيح ، فأنزل الله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(١).
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا عاصم بن الحسن بن محمّد بن علي ، أنا أبو عمر بن مهدي ، أنبأ أبو العباس بن عبده ، نا أحمد بن يحيى الصوفي ، نا عبد الرّحمن بن شريك ، نا أبي ، عن ابن إسحاق (٢) ، عن العباس بن معبد (٣) بن العباس ، عن بعض أهله ، عن العباس بن عبد المطلب أنه قال :
لما حضرت أبا طالب الوفاة قال له نبي الله صلىاللهعليهوسلم : «يا عمّ قل كلمة واحدة أشفع لك بها يوم القيامة ، لا إله إلّا الله» ، فقال : لو لا أن يكون عليك وعلى بني أبيك غضاضة (٤) ، لأقررت بعينيك ، ولو سألتني هذه في الحياة لفعلت قال : وعنده جميلة (٥) بنت حرب حمّالة الحطب ، وهي تقول له : يا أبا طالب مت على دين الإسلام. قال : فلما خفت صوته فلم يبق منه شيء ، قال : حرك شفتيه ، فقال العباس : فأصغيت إليه ، فقال قولا خفيا : لا إله إلّا الله ، فقال العباس للنبي صلىاللهعليهوسلم يا ابن أخي قد والله قال أخي الذي سألته ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لم أسمعه» [١٣٤٢٣].
أخبرناه عاليا أبو عبد الله الفراوي ، أنا أبو بكر البيهقي (٦) ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس محمّد بن يعقوب.
__________________
(١) سورة القصص ، الآية : ٥٦.
(٢) ورواه ابن حجر من طريق يونس بن بكير بسنده إلى العباس بن عبد المطلب ، في الإصابة ٤ / ١١٦.
(٣) غير مقروءة بالأصل ، وفي الإصابة : سعيد ، والمثبت عن سيرة ابن إسحاق ص ٢٢٢.
(٤) عليه غضاضة أي ذلّ.
(٥) تقرأ بالأصل : «حملها» والمثبت عن مختصر ابن منظور ، وفي نسب قريش ص ١٢٣ حمالة الحطب هي أم جميل بنت حرب.
(٦) رواه البيهقي في دلائل النبوة ٢ / ٣٤٦.