الأشياخ (١) فقال : لا تحدث نساء قريش أنّ عمك جزع عند الموت ؛ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا أزال أستغفر لك ربي حتى يردني» فاستغفر له بعد ما مات فقال المسلمون : ما منعنا أن نستغفر لآبائنا ولذي قرابتنا ، قد استغفر إبراهيم لأبيه ، وهذا محمّد صلىاللهعليهوسلم يستغفر لعمه ، فاستغفروا للمشركين حتى نزل : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى)(٢).
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا الحسن بن علي ، أنا أبو عمر بن حيوية ، أنا أحمد بن معروف ، أنا الحسين بن فهم ، نا ابن سعد ، أنا محمّد بن عمر ، حدّثني محمّد بن عبد الله ابن أخي الزهري ، عن أبيه ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري قال : قال أبو طالب : يا ابن أخي ، والله لو لا رهبة أن تقول قريش دهرني (٣) الجزع ، فيكون سبّة عليك وعلى بني أبيك لفعلت الذي تقول ، وأقررت عينك لما أرى من شكرك ووجدك فيّ ونصيحتك لي ثم إن أبا طالب دعا بني عبد المطلب فقال : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمّد ، وما اتبعتم بأمره فاتبعوه وأعينوه ترشدوا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أتأمرهم (٤) بها وتدعها لنفسك» فقال أبو طالب : أما إنك لو سألتني الكلمة وأنا صحيح لتابعتك على الذي تقول ، ولكني أكره أن أجزع عن الموت فترى قريش أني أخذتها جزعا ورددتها في صحتي.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا ابن النقور ، أنا المخلص ، أنا رضوان بن أحمد ، نا أحمد بن عبد الجبار ، نا يونس بن بكير ، عن محمّد بن إسحاق (٥) قال :
فلما رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم تكذيبهم بالحق قال : «لقد دعوت قومي إلى أمر ما اشتططت في القول» فقال عمه : أجل لم تشتط فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند ذلك ـ وأعجبه قول عمه : «يا عم بك عليّ كرامة ، ويدك عندي حسنة. ولست أجد اليوم ما أجزيك به ، غير أنّي أسألك كلمة واحدة تحلّ لي بها الشفاعة عند ربي ؛ أن تقول : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، تصيب بها الكرامة عند الممات ، فقد حيل بينك وبين الدنيا ، وتنزل بكلمتك هذه الشرف الأعلى في
__________________
(١) بالأصل : «الأشياع» والمثبت عن أسباب النزول.
(٢) سورة التوبة ، الآية : ١١٣.
(٣) دهر فلانا أمر : إذا أصابه مكروه.
(٤) بالأصل : «أئام» والمثبت عن مختصر ابن منظور.
(٥) الخبر في سيرة ابن إسحاق ص ٢٢١ رقم ٣٢٥.