فأرسل أبو بكر بن محمّد إلى عون ، فدعاه بالمال ، فقال : ليس عندي ، وقد فرقته ، فقال أبو بكر : إن أمير المؤمنين أمرني إن لم تدفعه لمّا كله أن أضربك بالسياط ، ثم لا أرفعها عنك حتى أستوفيه منك ، فصاح به يزيد بن عبد الملك ، فجاءه ، فقال له فيما بينه وبينه : كأنك خشيت أن أسلمك؟! ادفع إليه المال ، ولا تعرّضه لنفسك ، فإنه إن دفعه إليّ رددته إليك ، وإن لم يدفعه إليّ أخلفته لك. ففعل. فلمّا ولي يزيد بن عبد الملك الخلافة كتب في أبي بكر بن محمّد ، وفي الأحوص ، فحملا إليه ، لما بين أبي بكر والأحوص من العداوة ـ وكان أبو بكر قد ضرب الأحوص وغرّبه إلى دهلك (١) ، وأبو بكر مع عمر بن عبد العزيز ، وعمر إذ ذاك على المدينة ـ قال : فلما صارا بباب يزيد أذن للأحوص ، فرفع أبو بكر يديه يدعو ، فلم يخفضهما حتى خرج بالأحوص ملبّبا (٢) ، مكسور الأنف.
فإذا هو لما دخل على يزيد قال له : أصلح الله [أمير المؤمنين](٣) ، هذا ابن حزم الذي سفّه رأيك ، وردّ نكاحك. فقال يزيد : كذبت ، عليك غضب الله ، و [على](٤) من يقول ذاك ، اكسروا أنفه! فكسر أنفه ، وأخرج ملبّبا.
قال ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل المدينة (٥) :
أبو بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم أحد بني مالك بن النجار. وأمه كبشة ، وخالته عمرة بنت عبد الرّحمن التي روت عن عائشة. وأبو بكر هو اسمه.
قال محمّد بن عمر (٦) :
توفي أبو بكر بالمدينة سنة عشرين ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك ، وهو ابن أربع وثمانين سنة ، وكان ثقة كثير الحديث.
وقال ابن سعد أيضا (٧) :
__________________
(١) دهلك : بفتح أوله وسكون ثانيه ولام مفتوحة وآخره كاف. وهي جزيرة في بحر اليمن (معجم البلدان).
(٢) ملببا ، يقال : لببت الرجل ولبّبته إذا جعلت في عنقه ثوبا أو غيره وجررته به. وملببا يعني مأخوذا بتلابيبه.
(٣) الزيادة استدركت عن هامش مختصر أبي شامة.
(٤) زيادة عن الأغاني.
(٥) سقطت ترجمته من الطبقات الكبرى المطبوع لابن سعد. ونقله المزي في تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٢ عن ابن سعد.
(٦) تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٥ نقلا عن الواقدي.
(٧) نقلا عن ابن سعد في تهذيب الكمال ٢١ / ١٠٢.