فلا تمنع ، وما رزقت فلا تخبأ». قال : يا رسول الله ، كيف لي بذاك؟ قال : «هو ذاك ، وإلّا فالنار» [١٣٣٢١].
وقال الشّبلي :
كنت وردت الشام من مكة ، فرأيت راهبا في صومعة ، فنظر إليّ ، فقلت له : يا راهب ، لما ذا حبست نفسك في هذه الصومعة؟ قال : ليثوّب عملي ، فقلت : يا راهب ، ولمن تعمل؟ قال : لعيسى ، قلت : وبأيّ شيء استحقّ عيسى هذه العبادة منك دون الله؟ قال : لأنه مكث أربعين يوما لم يطعم ، ولم يشرب ، فقلت له : ومن يعمل ذلك يستحق العبادة له؟ قال : نعم.
قال الشبلي : فقلت للراهب : فاستوفها منّي. فمكثت أربعين يوما تحت صومعته ، لا آكل ، ولا أشرب. فقال لي : ما دينك؟ قلت : محمّدي. فنزل ، وأسلم على يديّ. وحملته إلى دمشق ، فقلت : اجمعوا له أشياء ، فإنه قريب العهد بالإسلام. وانصرفت ، وتركته مع الصوفية.
قال الحافظ أبو القاسم ـ رحمهالله ـ :
وقد كتبت نحو هذه الحكاية عن أبي [بكر](١) محمّد بن إسماعيل الفرغاني ، وسقتها في ترجمته (٢). وقد ورد وروده ـ يعني الشبلي ـ الشام من وجهين آخرين :
قال أبو الحسين (٣) بن سمعون (٤) : قال لي الشبلي :
كنت باليمن ، وكان باب دار الإمارة (٥) رحبة عظيمة ، وفيها خلق كثير قيام ينظرون إلى منظرة ، فإذا قد ظهر من المنظرة شخص أخرج يده كالمسلّم عليهم ، فسجدوا كلهم. فلما كان بعد سنين كنت بالشام ، وإذا تلك اليد قد اشترت لحما بدرهم ، وحملته. فقلت له : أنت ذلك الرجل؟ قال : نعم ، من رأى ذاك ، ورأى هذا لا يغتر بالدنيا.
وقال : سمعت الشبلي يقول :
كنت في قافلة بالشام ، فخرج الأعراب فأخذوها ، وأميرهم جالس يعرضون عليه.
__________________
(١) استدركت على هامش مختصر أبي شامة.
(٢) تقدمت ترجمته في تاريخ دمشق ٥٢ / ١١٦ رقم ٦١١١ طبعة دار الفكر.
(٣) تحرفت في مختصر ابن منظور إلى : الحسن.
(٤) الخبر من طريقه رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٣.
(٥) في تاريخ بغداد : دار الأمير.