قبل أخيه ـ حضر الشبلي يوما مجلس خير النسّاج (١) ، وتاب فيه ، ورجع إلى دماوند ، وقال : أنا كنت حاجب الموفق ، وكان ولاني بلدتكم هذه ، فاجعلوني في حل. فجعلوه في حل ، وجهدوا أن يقبل منهم شيئا ، فأبى. وصار بعد ذلك واحد زمانه حالا ونفسا. سمعت أبا سعيد السّجزي يذكر ذلك كله.
قال الأستاذ أبو القاسم القشيري (٢) :
ومنهم أبو بكر دلف بن جحدر الشبلي. بغدادي المولد والمنشأ ، أصله من أشروسنة.
صحب الجنيد ، ومن في عصره [من العلماء](٣) ، وكان نسيج وحده (٤) حالا وظرفا وعلما ، مالكيّ المذهب ، عاش تسعا وثمانين سنة ، ومات سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ، وقبره (٥) ببغداد. ومجاهداته في بدايته فوق الحد.
[قال :](٦) سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق (٧) يقول : بلغني أنه اكتحل بكذا وكذا من الملح ليعتاد السّهر ، ولا يأخذه النوم. ولو لم يكن من تعظيمه للشرع إلّا ما حكاه بكران الدينوري في آخر عمره لكان كثيرا (٨).
وكان الشبلي (٩) إذا دخل شهر رمضان جدّ في الطاعات ، ويقول : هذا شهر عظمه ربّي فأنا أولى من يعظمه (١٠).
__________________
(١) اسمه محمد بن إسماعيل من سامرّاء ، وإنما سمي خير النساج لأنه خرج إلى الحجّ ، فأخذه رجل على باب الكوفة ، وقال له : أنت عبدي واسمك خير ، وكان أسود ، فلم يخالفه ، واستعمله الرجل في نسج الخز ، ثم تركه الرجل ، وبقي الاسم معلقا به انظر أخباره في الرسالة القشيرية ص ٤٣٧ وحلية الأولياء ١٠ / ٣٠٧.
(٢) الخبر رواه أبو القاسم القشيري في الرسالة القشيرية ص ٤١٩ رقم ٤٩.
(٣) زيادة عن الرسالة القشيرية.
(٤) في الرسالة القشيرية : شيخ وقته.
(٥) في مختصر أبي شامة : «وقبر» والمثبت عن الرسالة القشيرية.
(٦) القائل أبو القاسم القشيري ، والخبر في الرسالة القشيرية ص ٤٢٠.
(٧) هو الحسن بن علي الدقاق ، أبو علي. أخباره في الرسالة القشيرية (الفهارس).
(٨) وهو ما جاء في الرسالة القشيرية ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨ سأل جعفر بن نصر بكران الدينوري : وكان يخدم الشبلي ، ما الذي رأيت منه؟ فقال : قال لي عليّ درهم مظلمة ، وقد تصدقت على صاحبه بألوف ، فما على قلبي شغل أعظم منه ، ثم قال : وضئني للصلاة ، ففعلت فنسيت تخليل لحيته ، وقد أمسك على لسانه ، فقبض على يدي وأدخلها في لحيته ثم مات. فبكى جعفر وقال : ما تقولون في رجل لم يفته حتى في آخر عمره أدب من آداب الشريعة.
وانظر المنتظم ١٤ / ٥١ ـ ٥٢ وصفة الصفوة ٢ / ٤٥٩.
(٩) الرسالة القشيرية ص ٤٢٠.
(١٠) في الرسالة القشيرية : فأنا أول من يعظمه من الناس.