ويدل على ما ذكرنا من الاحتمال أنّه سبحانه يقول : ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ ) (١).
وليس لقائل أن يقول : إنّ هذه الآية واردة في حق المشركين ولم يعلم وحدة تفكيرهم مع أهل الكتاب ، وذلك لأنّ المراد من أهل الكتاب في الآية هم اليهود القاطنون في المدينة وما حولها ، وهم كانوا أشد الناس عناداً ولجاجاً في حق النبي بدليل أنّ أكثر المشركين اعتنقوا الإسلام واختاروه دونهم إذ بقوا على شريعتهم ، ولم يؤمن إلاّ قليل منهم.
ثم إنّ في الإجابة على هذا الاقتراح ضرباً من الإهانة للقرآن والاستهانة به ، فإنّ طلب نزول الكتاب عليهم من السماء ، ينبئ عن أنّ القرآن النازل على قلب النبي لم يكن كافياً في إثبات نبوّته ، وتصديق رسالته وانّما يجب التصديق إذا رئي نزول القرآن بأُمّ الأعين.
على أنّ كيفية السؤال تنبئ عن الاعتقاد الفاسد ، وهو أنّ الله تعالى جسم واقع في السماء ، ولأجل ذلك اقترحوا على النبي أن ينزل الله سبحانه كتاباً من السماء يرون نزوله برأي العين.
ولنفترض قيام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بإجابة هذا السؤال ، أو ليست تلك الإجابة توجب أن يطمع الآخرون في هذا الأمر ويطلبوا من النبي أن يفعل لهم ما فعل لغيرهم ، المرة بعد المرّة ، والكرّة بعد الأخرى ، مع كثرة القبائل وتعدّد البطون ، وعندئذ تصبح النبوّة العوبة بأيدي الجهّال ، ويصبح مثله كمثل المرتاضين والسحرة الذين غدوا أداة طيّعة لترفيه الناس.
هذه الوجوه ترد على هذا المحتمل من السؤال ، غير أنّ هاهنا إشكالاً آخر ، وهو أنّه لو قام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بهذا الوجه من السؤال وهو أن ينزل عليهم كتاباً من
__________________
(١) الأنعام : ٧.