المحتملة كلّها غير جامعة للشرائط المصححة لقيام النبي بإجابة طلبهم ، وإليك هذه الاحتمالات :
١. أن يعرج النبي إلى السماء ويرجع مع كتاب اليهم وقد سأل المشركون نظير ذلك حيث حكى الله سبحانه عنهم في سورة الإسراء إذ قال : ( أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ ) (١) وكيفية السؤال هذه ، تدلّ على أنّهم لم يكونوا بصدد كشف الحقيقة ، لأنّ في واحد من الأمرين ( العروج إلى السماء وحده ، أو نزول الكتاب إلى النبي مع عدم عروجه ) كفاية ، فطلب الأمرين معاً يكشف عن أنّهم لم يتخذوا لأنفسهم موقف المتحري للحقيقة ، بل كانوا يتبعون في سؤالهم هوسهم ، وهواهم.
٢. أن ينزل النبي عليهم أنفسهم كتاباً من السماء مكتوباً كما كانت التوراة مكتوبة من عند الله في الألواح حتى يروا نزول الكتاب من السماء بأُمّ أعينهم.
ولكن هذا الاحتمال أيضاً ينبئ عن أنّهم اتخذوا لأنفسهم موضع اللجاج والعناد كما ينبئ عن ذلك تشبيه هذا السؤال بسؤال بني إسرائيل من نبيهم موسى حيث قال : ( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً ) وعندئذ لا يجب في منطق العقل الإجابة على هذا السؤال ، لأنّ موقف السائل لو كان موقف المستشف للحقيقة لاكتفى بما زوّد به النبي من المعاجز ، ولما شبّه الله سبحانه سؤالهم بسؤال بني إسرائيل من نبيهم ، علم منه أنّهم لم يكونوا في موقف المتحرّي للحقيقة.
أضف إلى ذلك أنّه لو قام النبي بهذا الإعجاز كان من المحتمل جداً أن لا يؤمن به أهل الكتاب أيضاً ، وعندئذ يسقط القيام بالإعجاز لما قلنا أنّه إنّما يجب القيام بالمعاجز المقترحة إذا كان هناك مظنة إيمان السائل.
__________________
(١) الإسراء : ٩٣.