على أنّه من المحتمل أيضاً أن تكون الآيات المطلوبة من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلممن الأمور المستحيلة ، ويقرب من ذلك قوله سبحانه في نفس الآية : ( كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) ومن المعلوم أنّ اليهود طلبوا من موسى رؤية الله جهرة.
وقوله سبحانه : (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) يشير إلى أنّ سؤالهم كان أشبه بسؤال من تقدّمهم في الكفر والقسوة والتعنت والعناد ، ولذلك قال سبحانه في موضع آخر : ( كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِن رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ ) (١).
والحاصل : أنّ ذيل الآية يشير إلى أنّ الواجب على الله في هداية الناس هو بعث الأنبياء وتزويدهم بالدلائل والمعاجز التي تثبت بوضوح صلتهم بالله وصدق مقالتهم ، وأمّا إجراء المعاجز المطلوبة منهم على أيديهم فليس بواجب في منطق العقل إذ لمن يريد تحصيل اليقين كفاية فيما أتوا به من المعاجز.
الآية الثانية
قال سبحانه : ( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا العِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُبِيناً ) (٢).
إنّ الآية تدلّ على أنّ أهل الكتاب سألوا النبي أن ينزل عليهم كتاباً من السماء ، وهذا السؤال يحتمل وجوهاً نأتي بجميعها ، وسوف يرى القارئ انّ الوجوه
__________________
(١) الذاريات : ٥٢ ـ ٥٤.
(٢) النساء : ١٥٣.