هذا كله حول السؤال الأوّل وإليك الجواب عن السؤال الثاني.
إنّ الإجابة عن اقتراحهم بقوله : ( إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) لأجل أُمور نشير إليها :
أوّلاً : أنّ الظاهر من نفس الآيات أنَّ المقترحين لم يكونوا بصدد كشف الحقيقة وتحرّي الواقع ، بل ما زالوا يعاندون النبي ويعادون دعوته ، إذ لو لم يكونوا بهذا الصدد لما عدلوا عن المعجزة الكبرى إلى طلب الكنز ، ومجيئ الملك معه ، وإلى هذا الجواب يشير سبحانه بقوله : ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَن لا إِلَٰهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُسْلِمُونَ ) (١).
فأيّ معجزة أكبر من القرآن الكريم الذي كلّت عن فهمه الأذهان ، وعجز عن مباراته البلغاء.
ثانياً : أنّ القيام بمقترح القوم ( أعني : نزول الكنز ) يتصور على نوعين :
فأمّا أن يكون مطلوبهم نزول الكنز وبقاءه لحظة أو لحظات ، وهذا لا يكفيهم ولا يسكتهم بل سرعان ما يتهم القوم النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلمبقولهم : ( إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ) (٢) كما اتّهموه في غير هذا المورد ، وسيوافيك بيانه في المستقبل.
وإن كان مطلوبهم بقاء الكنز معه أبداً طيلة عمره ، وانتفاعه وانتفاع قومه من هذا الكنز وصيرورة النبي ذا ثروة طائلة فهذا نوع اعتراف بمنطقهم حيث قالوا : ( لَوْلا نُزِّلَ هَٰذَا القُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) (٣).
__________________
(١) هود : ١٣ ـ ١٤.
(٢) الحجر : ١٥.
(٣) الزخرف : ٣١.