وقال سبحانه : ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ) (١).
وطريق الاستدلال بهاتين الآيتين على أنّ النبي لم يكن مزوّداً بمعجزة غير القرآن هو ما تقدم في الآيات السابقة ، غير أنّ الآيتين تهدفان إلى حقيقة ناصعة قد أوضحناها عند البحث عن مسوغات الإتيان بالمعجزة وهي :
إنّ المقام لم يكن مقام الإتيان بالإعجاز حتى يقوم به النبي إذ للقيام به شرائط وهي غير موجودة.
أمّا أوّلاً : فلأنّ القوم قد بلغوا في العناد واللجاج مقاماً يصورهم الله سبحانه بقوله : ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ المَوْتَىٰ بَل لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ) (٢).
فإذا بلغ عناد القوم إلى درجة لا يوجب قلع الجبال من أساسها إيماناً ولا يوجب إحياء الموتى وتكليمهم أو تقطيع الأرض قطعاً ، إذعاناً لهم ، فكيف يفيدهم غير هذه الأمور ؟
وثانياً : أنّ الآيتين تهدفان إلى ما تكرّر منّا في الأبحاث الماضية من أنّ أمر الإعجاز بيد الله سبحانه ، ولا يقدر النبي على شيء إلاّ بإذنه سبحانه ، كما قال تعالى في نفس السورة : ( وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ ) فعلى ذلك فقوله : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) يرشد إلى أنّ الوظيفة الأساسية للنبي هو الإنذار ، وأمّا الإتيان بالمعجزة فليس من شأنه القيام به في كل يوم وساعة وعند كل طلب واقتراح.
ونفي الإعجاز بهذا المعنى لا يستلزم نفي صدور المعجزة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بتاتاً عند اجتماع الشرائط.
__________________
(١) الرعد : ٢٧.
(٢) الرعد : ٣١.