الأمّة : بل يشفع لمذنبي الأمّة ممّن ارتضى الله دينهم ليسقط عقابهم بشفاعته (١).
٩. قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى : ( وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ) (٢) : كانت اليهود تزعم أنّ آباءهم الأنبياء يشفعون لهم فأُويسوا.
فإن قلت : هل فيه دليل على أنّ الشفاعة لا تقبل للعصاة ؟
قلت : نعم ، لأنّه نفى أن تقضي نفس عن نفس حقاً أخلّت به من فعل أو ترك ، ثم نفى أن تقبل منها شفاعة شفيع ، فعلم أنّها لا تقبل للعصاة (٣).
١٠. قال الإمام ناصر الدين أحمد بن محمد بن المنير الإسكندري المالكي في كتابه الانتصاف فيما تضمّنه الكشاف من الاعتزال :
وأمّا من جحد الشفاعة فهو جدير أن لا ينالها ، وأمّا من آمن بها وصدّقها وهم أهل السنّة والجماعة فأُولئك يرجون رحمة الله ، ومعتقدهم أنّها تنال العصاة من المؤمنين وإنّما ادّخرت لهم ، وليس في الآية دليل لمنكريها ، لأنّ قوله : ( يَوْماً ) في قوله : ( وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ) أخرجه منكراً ، ولا شك أنّ في القيامة مواطن ، يومها معدود بخمسين ألف سنة ، فبعض أوقاتها ليس زماناً للشفاعة ، وبعضها هو الوقت الموعود ، وفيه المقام المحمود لسيد البشر ، عليه أفضل الصلاة والسلام. وقد وردت آي كثيرة ترشد إلى تعدّد أيامها واختلاف أوقاتها ، منها قوله تعالى : ( فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ ) (٤) مع قوله : ( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ) (٥) فيتعين حمل الآيتين على يومين مختلفين ، ووقتين متغايرين ، أحدهما محل للتساؤل والآخر ليس له ، وكذلك
__________________
(١) مجمع البيان : ٢ / ٨٣.
(٢) البقرة : ٤٨.
(٣) الكشاف : ١ / ٢١٤ ـ ٢١٥. وما ذكره صاحب الكشاف في تفسير الشفاعة راجع إلى منهجه الذي هو منهج المعتزلة في معنى الشفاعة ، والهدف من نقل كلامه هو الإيعاز إلى كون أصل الشفاعة أمراً متفقاً عليه بين المسلمين ، وأمّا الخصوصية فسنبحث عنها في الفصول القادمة.
(٤) المؤمنون : ١٠١.
(٥) الصافات : ٢٧.