بتاتاً وننسبها إلى القرآن ، ونرمي الاعتقاد بالشفاعة إلى الكهنة ؟ كلا.
ثم إنّ الدليل الواضح على أنّ مرمى الآية هو نفي قسم خاص من الشفاعة لا جميع أقسامها هو قوله سبحانه : ( وَلا خُلَّةٌ ) فإنّ الظاهر من هذه الكلمة انقطاع أواصر الرفاقة يوم القيامة ، من غير فرق بين المؤمن والكافر ، والحال أنّ القرآن يصرح بانقطاعها بين الكفار خاصة حيث يقول سبحانه : ( الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا المُتَّقِينَ ) (١) فإنّ الظاهر من الاستثناء وإن كان عدم العداوة بين المتقين إلاّ أنّ المتبادر من مجموع الآية هو بقاء الرفاقة الدنيوية مضافاً إلى انتفاء العداوة.
قال في الكشاف : تنقطع في ذلك اليوم كل خلّة بين المتخالّين في غير ذات الله ، وتنقلب عداوة ومقتاً ، إلاّ خلّة المتصادقين في الله فإنّها الخلّة الباقية المزدادة قوة إذا رأوا ثواب التحابّ في الله تعالى والتباغض في الله (٢).
وقال العلاّمة الطباطبائي : إنّ من لوازم المخالة إعانة أحد الخليلين الآخر في مهام أُموره ، فإذا كانت لغير وجه الله كان الإعانة على الشقوة الدائمة والعذاب الخالد كما قال تعالى حاكياً عن الظالمين يوم القيامة : ( يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ) (٣).
وأمّا الأخلاّء من المتقين فإنّ خلّتهم تتأكد وتنفعهم يومئذ.
وفي الخبر النبوي : « إذا كان يوم القيامة انقطعت الأرحام وقلّت الأنساب وذهبت الاخوة إلاّ الاخوة في الله ، وذلك قوله : ( الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا المُتَّقِينَ ) » (٤).
__________________
(١) الزخرف : ٦٧.
(٢) الكشاف : ٣ / ١٠٢.
(٣) الفرقان : ٢٨ ـ ٢٩.
(٤) الميزان : ١٨ / ١٢٠ ـ ١٢١.