هو صريح الآيات ، فلماذا جعلت الشفاعة وسيلة للمغفرة ، وسبباً لرفع العذاب أو ليس الله يقول : ( وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنَىٰ ) (١) وقال سبحانه : ( فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ المُفْلِحِينَ ) (٢) وقال سبحانه : ( وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ) (٣) وعلى ذلك فلماذا أُدخلت الشفاعة في سلسلة العلل لجلب المغفرة ؟
ولكن الإجابة على هذا السؤال واضحة فإنّ الفوز بالسعادة وإن كان يعتمد على العمل أشد الاعتماد غير أنّ صريح الآيات الأخر هو انّ العمل بنفسه ما لم تنضم إليه رحمته الواسعة لا ينقذ الإنسان من تبعات تقصيره ، قال سبحانه : ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمّىً ) (٤) وقال سبحانه : ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ ) (٥). (٦)
__________________
(١) الكهف : ٨٨.
(٢) القصص : ٦٧.
(٣) القصص : ٨٠.
(٤) النحل : ٦١.
(٥) فاطر : ٤٥.
(٦) الآيتان بحكم السياق تعنيان الكفار والعصاة ، فلا تعمّان المعصومين من الناس ، فإنّ الآية المتقدمة على تلك الآية في سورة النحل تعني الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وتقول : ( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَللهِ المَثَلُ الأَعْلَىٰ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) ( النحل : ٦٠ ).
كما أنّ الآية المتقدمة على الواردة في سورة فاطر تعني المستكبرين فتقول : ( اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً ) ( فاطر : ٤٣ ) ثم يقول : ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً * وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا .. ).
وعلى ذلك فالمنصرف من لفظة ( الناس ) في الآيتين هو الكفار والمستكبرون.