مرفوضة في منطق العقل والقرآن ، وكأنّ المعترض قد خلط بين الشفاعة المحدودة والشفاعة المطلقة من كل قيد ، ولم يميز بينهما وبين آثارهما.
فالشفاعة الموجبة للتجري ومواصلة العناد والتمرّد ، هي الاعتقاد بأنّ الأنبياء والأولياء سيشفعون في حقّه يوم القيامة على كل حال وفي جميع الشرائط وإن فعل ما فعل ، وارتكب ما ارتكب ، وعند ذلك سيستمر في عمله الإجرامي إلى آخر حياته رجاء تلك الشفاعة التي لا تخضع لضابطة وقانون ، ولا تتقيد بقيد أو شرط.
وأمّا الشفاعة التي نطق بها الكتاب وأقرّت بها الأحاديث واعترف بها العقل ، فهي الشفاعة المحدودة بشرائط في المشفوع له والشافع ، ومجمل تلك الشرائط هو أن لا يقطع جميع علاقاته العبودية مع الله ، ووشائجه الروحية مع الشافعين ولا يصل تمرده إلى حد القطيعة ، ونسف الجسور.
فالاعتقاد بهذا النوع من الشفاعة مثل الاعتقاد بتأثير التوبة في الغفران ماهية وأثراً.
إنّ في التشريعات الجنائية العالمية السائدة في المجتمعات البشرية قانوناً يسمّى « قانون العفو عن السجناء الدائمين » يسمح للمسؤولين بأن يعفوا عن السجناء أو يقلّلوا من مدة عقوباتهم إذا هم غيّروا سلوكهم ، وأظهروا الندامة والتوبة ، وهذا القانون ليس من شأنه أن يبعث على الجرأة والعناد ، بل من شأنه أن يدفع السجين إلى أن يصلح نفسه ، ويعدل سلوكه ، ويحقّق في نفسه شرائط استحقاق العفو والتخفيف على أمل أن ينطبق عليه ذلك القانون ويشمله العفو ، وبهذا يكون هذا القانون المنطقي موجباً للإصلاح لا الإصرار ، وداعياً إلى الأوبة لا الاستمرار.