والمذنبين ، واعتقد المجرم بأنّ عصيانه مرة واحدة أو مرّات سيخلده في عذاب الله ، ولا مناص له منه ، فلا شك انّ هذا الاعتقاد يوجب التمادي في اقتراف السيئات وارتكاب الذنوب ، لأنّه يعتقد بأنّه لو غير وضعه وسلوكه في مستقبل أمره ، لا يقع ذلك مؤثراً في مصيره وخلوده في عذاب الله ، فلا وجه لأن يترك المعاصي ، ويغادر اللذة المحرمة ، ويتحمّل عناء العبادة والطاعة ، بل يستمر على وضعه السابق حتى يوافيه أجله.
وهذا بخلاف ما إذا وجد الجو مشرقاً والطريق مفتوحاً ، والنوافذ مشرعة واعتقد بأنّه سبحانه سيقبل توبته إذا كانت نصوحاً ، وإنّ رجوعه هذا سيغير مصيره في الآخرة ، وينقذه من تبعات أعماله ، وأليم العذاب عليها فعند ذلك سيترك العصيان ، ويرجع إلى الطاعة ، ويستغفر لذنوبه ، ويطلب الإغضاء عن سيئاته.
فهذا الاعتقاد له الأثر البناء في تهذيب الناس والشباب خاصة ، وكم وكم من شباب اقترفوا السيئات ، وأمضوا الليالي في اللذة المحرمة ، ثم عادوا إلى خلاف ما كانوا عليه في ظل التوبة والاعتقاد بأنّها تجدي المذنبين ، وبأنّ أبواب الرحمة والفلاح مفتوحة بعد لم تغلق ، فعادوا يسهرون الليالي في العبادة ، ويحيونها بالطاعة.
وليس هذا إلاّ أثر ذلك الاعتقاد ، وذاك التشريع.
ومثل ذلك ، الاعتقاد بالشفاعة المحدودة ، فانّه إذا اعتقد العاصي بأنّ أولياء الله سبحانه قد يشفعون في حقه في شرائط خاصة إذا لم يهتك الستر ، ولم يبلغ إلى حد لا تنفع معه شفاعة الشافعين ، فعند ذلك سوف يعيد النظر في مسيره ويحاول تطبيق نفسه على شرائط الشفاعة حتى يستحقها ، ولا يحرمها.
نعم الاعتقاد بالشفاعة المطلقة ، المحررة من كل قيد ، من جانب الشفيع والمشفوع له ، هو الذي يوجب التجرّي والتمادي في العصيان ، وهذه الشفاعة