سبحانه لا أن تكون الآراء المتخذة سلفاً ، سبباً لتطبيق القرآن عليها ، فإنّ هذا هو الآفة الكبيرة التي أصابت فرقاً من المسلمين ، ودفعتهم إلى اتخاذ مواقف شاذة.
إنّ الآيات الواردة حول الشفاعة ـ مع الأسف ـ لم تتخلص عن هذه الآفة عند بعض هذه الفرق فإنّ الآيات الواردة حول الشفاعة ليست ناظرة إلى ما ذهبت إليه المعتزلة من أنّ نتيجتها هو رفع الدرجة وزيادة الثواب فقط ، ولا أقل ، لا تنحصر مداليلها بهذا بل هي ذات مدلول وسيع يعم كلا الأمرين من حط الذنوب والعقاب ورفع الدرجة وزيادة للثواب.
لم تكن مسألة الشفاعة فكرة جديدة ابتكرها الإسلام وانفرد بها ، بل كانت فكرة رائجة بين أُمم العالم من قبل وخاصة بين الوثنيين واليهود ، نعم انّ الإسلام قد طرحها مهذبة من الخرافات ومما نسج حولها من الأوهام ، وقررها على أُسلوب يوافق أُصول العدل والعقل وصحّحها تحت شرائط في الشافع والمشفوع له التي تجر العصاة إلى الطهارة من الذنوب ، وكف اليد عن الآثام والمعاصي ، ولا توجد فيهم جرأة وجسارة على هتك الستر ، حسبما أوضحناه في الفصل الماضي.
وغير خفي على من وقف على آراء اليهود والوثنيين في أمر الشفاعة انّ الشفاعة الدارجة بينهم خصوصاً اليهود كانت مبنية على رجائهم لشفاعة أنبيائهم وآبائهم ، في حط ذنوبهم ، وغفران آثامهم ، ولأجل هذا الاعتقاد كانوا يقترفون المعاصي ، ويرتكبون الذنوب تعويلاً على ذلك الرجاء.
وفي هذا الموقف يقول سبحانه رداً على تلك العقيدة الباعثة إلى الجرأة : ( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلا بِإِذْنِهِ ) (١) ويقول أيضاً رفضاً لتلك الشفاعة المحررة من كل قيد : ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ) (٢).
__________________
(١) البقرة : ٢٥٥.
(٢) الأنبياء : ٢٨.