قيد وشرط ، فإنّ الشفاعة مقيدة بإذنه سبحانه وكون المشفوع له مرضياً عنده ، قال سبحانه : ( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلا بِإِذْنِهِ ) (١) وقال سبحانه : ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ) (٢) ، وليس من الممكن أن يتيقن المجرم بأنّه ممن يشمله إذنه سبحانه وارتضاؤه. إذ ليس في وسع أحد أن يدّعي أنّه من العباد الذين تشملهم المغفرة الإلهية يوم القيامة بالإذن في الشفاعة في حقهم وكونه من العباد المرضيين كيف وقد قال سبحانه : ( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلا القَوْمُ الخَاسِرُونَ ) (٣).
هذا من وجه ، ومن وجه آخر : انّ الشفاعة مبهمة من حيث الجرم والمجرم ، إذ لم يرد أي توضيح في موردها وانّها تشمل أي جرم من الأعمال الإجرامية وأي مجرم من أنواع المجرمين فهي مبهمة من تلك الناحية ، وهذا الإبهام يصد العاصي عن أن يعتمد على الشفاعة المحتملة في حقه ، بل ربّما تدعوه إلى التحفظ عن اقتراف بعض المعاصي لئلاّ يحرم من الشفاعة.
هذا وكما انّ الشفاعة مبهمة من تلك الناحية فهي أيضاً مبهمة من ناحية الوقت وأنواع العقوبات ، فإنّ الآيات ناطقة بأنّ يوماً من أيام القيامة يمتد امتداد ألف سنة أو أكثر ، قال سبحانه : ( وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) (٤) وقال سبحانه : ( تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (٥) ، وعلى ذلك فللعصاة والطغاة بل العباد كلهم مواقف مختلفة يوم القيامة ، وهي مواقف رهيبة ومخيفة ذات أوضاع تهز القلوب ، ومن المعلوم انّه لم يعين وقت الشفاعة ، وانّه في أي وقت تتحقق في حق المجرم أفبعد
__________________
(١) البقرة : ٢٥٥.
(٢) الأنبياء : ٢٨.
(٣) الأعراف : ٩٩.
(٤) الحج : ٤٧.
(٥) المعارج : ٤.