سَيِّئَاتِكُمْ ) (١) فهل يجد المستشكل في نفسه انّ هذا التشريع يوجب جرأة العباد على ارتكاب بعض السيئات رجاء غفرانها بالاجتناب عن الكبائر ؟
٣. لو كان تشريع الشفاعة مستلزماً لما تخيّله القائل لكان تشريع التوبة من عوامل الجرأة والأسباب التي تجر العباد إلى العصيان والعدوان ، قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً ) (٢).
هذا وذاك يكشفان عن أنّ المستشكل لم يقف على مغزى الشفاعة وما تهدف إليه الآيات والروايات وإلاّ لما عد الشفاعة الباعثة للأمل في النفوس ، موجباً للجرأة وسبباً للتمادي في العصيان ، وقد أشرنا ـ فيما سبق ـ إلى بعض الآثار التربوية البنّاءة الموجودة في الشفاعة.
هذا كله نقضاً وأمّا حلاً فالإشكال يتغذى من الشفاعة المتصورة في بعض الأذهان ، وهو انّ للإنسان أن يفعل ما يريد تعويلاً على الشفاعة واغتراراً بها.
وأمّا الشفاعة المحدودة الشاملة لبعض العباد التي لم تنقطع علاقاتهم بالله سبحانه ، وبأوليائه فلا تبعث على الجرأة ، بل تبعث أملاً في نفس العاصي ويدفعه إلى أن يرجع عن التمادي في المعصية ، ويصلح حاله فيما يأتي من الزمان ، كما أوضحناه فيما سبق ، فلا نعيد ، ولكن نأتي هنا ببيان آخر ، وهو انّ الشفاعة الموعود بها لو كانت أمراً منجزاً ، مطلقاً ، واضحاً من حيث الجرم ، والمجرم متعيناً من حيث الوقت ونوع العقوبة ، لكان لما تخيله المستشكل وجه ، ولكن الشفاعة الموعود بها لأجل عمد تنجزها ، واشتراطها بشروط وإبهامها من حيث الجرم والمجرم ، وعدم تعيّنها من حيث الوقت ونوع العقوبة ، فلا يستلزم ذلك ، وإليك توضيح ذلك :
إنّ الشفاعة التي نطق بها القرآن ووعد بها ليست أمراً منجزاً ومطلقاً من كل
__________________
(١) النساء : ٣١.
(٢) التحريم : ٨.