ذنوبه بالشفاعة (١).
الجواب
إنّ هذا الإشكال ينبع من قياس الشفاعة التي وردت في الكتاب والسنّة ، بالشفاعة الرائجة في أوساط الناس ، ولو كان المستشكل واقفاً على الفرق الجوهري بينهما لما عدّ الشفاعة عاملاً للجرأة ، وذريعة للعصيان ، وذلك لأنّه مردود نقضاً وحلاً ، أمّا الأوّل فمن وجوه :
١. لو كان تشريع الشفاعة عاملاً للجرأة لكان الوعد بالمغفرة عاملاً للجرأة أيضاً مع أنّه سبحانه وعد بها في قوله : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) (٢).
لاحظ قوله سبحانه : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقَابِ ) (٣) فإنّ لفظ ( عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ) جملة حالية تبين شمول المغفرة للناس في حال كونهم معتدين ومجرمين ، فلو كان الوعد بالشفاعة عاملاً للجرأة لكان الوعد بالمغفرة في هذه الآيات عاملاً لها أيضاً.
٢. انّه سبحانه قد وعد بأنّ الاجتناب عن الكبائر يوجب التكفير عن بعض السيئات ، قال سبحانه : ( إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ
__________________
(١) وفي كلام الكاتب فريد وجدي إشارة إلى هذا الإشكال لاحظ : ٥ / ٤٠٢ ، مادة شفع من دائرة معارفه. وقال الطنطاوي : إنّ الشفاعة بالمعنى الذي يفهمه العامة تقود الأمّة إلى الانتكاس على أُمّ الرأس ، ويبقى الدين من أسباب التأخر لا الرقي. لاحظ : ١ / ٦٩ من تفسيره ، وما ذكره ليس إلاّ خلطاً بين الشفاعة السائدة في المجتمع المادي في الدنيا عند الرؤساء والمتنفذين فيهم ، والشفاعة التي جاء بها القرآن الكريم ، وستوافيك الفروق الموجودة بين الشفاعتين.
(٢ النساء : ٤٨ و ١١٦.
(٣) الرعد : ٦.