الإمكان أي إمكان عدم الخلود ، لأجل قرينة قطعية دلت على تحقّق الخلود ، لأهل النعيم في الآخرة ، وهذا العلم يصدّنا عن حمل الاستثناء على وقوعه.
هذا كلّه مع غض النظر عمّا في نفس الآيات من القرائن الدالة على وقوع الاستثناء ، وإليك تلك القرائن :
الأولى : قال سبحانه : ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ) (١) فإنّ التعبير عن رضاه بالفعل الماضي يدل على تحقّق ذلك الرضا ، في حق المشفوع له ، ورضاه سبحانه لا ينفك عن إذنه للشفعاء ، لأنّ إعلان الرضا بالنسبة إلى المشفوع له بلا صدور إذن منه سبحانه للشفيع يعد أمراً لغواً ، وحمل قوله : ( إِلا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ) على وجود الرضا منه سبحانه دون إبلاغه للشفعاء أشبه شيء بالهزل.
الثانية : انّه سبحانه يخبر بخبر قطعي عن شفاعة من شهد بالحق ممن كانوا تسبغ عليهم صفة الإلوهية كالمسيح والملائكة ، قال سبحانه : ( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَن شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٢) والاستثناء يدل على تملك من شهد بالحق لأمر الشفاعة بإذن منه سبحانه وتملّكه هذا يكشف عن تحقّق المراتب المتقدمة عليه من إذنه سبحانه له وارتضائه لمن يستحقها.
اللّهم إلاّ أن يدّعي المعترض في ذلك الاستثناء ما ادّعاه في الآيات المشتملة على الإذن والارتضاء في آيات الشفاعة ويحمل مالكية من شهد بالحق للشفاعة على الإمكان دون الوقوع ، وهو كما ترى.
ونظير الآية السابقة قوله سبحانه : ( لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْداً ) (٣) والاستثناء ظاهر في تملّك من اتخذ عند الرحمن عهداً أمر
__________________
(١) الأنبياء : ٢٨.
(٢) الزخرف : ٨٦.
(٣) مريم : ٨٧.