وقوعها أشبه شيء بالأبحاث الجدلية.
إنّ البحث عن الإمكان والامتناع يناسب المسائل الفلسفية البحتة ، والكلامية الخالصة كما في البحث عن إمكان تعدّد الواجب وامتناعه وما شابه تلك المسألة ، فنرى أنّه سبحانه يبحث عن الإمكان والوقوع في قوله : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا ) (١) وقال سبحانه : ( وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (٢).
وأمّا المسائل التربوية أو الاجتماعية التي تدور مدار التربية والتوعية الاجتماعية والفردية ، فالبحث عن الإمكان والوقوع فيها ساقط وغير مناسب للأهداف القرآنية ولا يتوجه النظر إلاّ إلى قسم واحد ، وهو وقوع ما وعد به سبحانه في كتابه من الاستثناء كما في نظائره : ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً ) (٣) وقال سبحانه : ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللهِ ) (٤) وما شابه هاتين الآيتين.
وعلى ذلك فلا يتبادر من تلك الآيات إلاّ وقوع الإذن والارتضاء من الله سبحانه والحمل على الإمكان فيما ورد في قوله : ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَىٰ * إِلا مَا شَاءَ اللهُ ) لأجل قرينة خاصة وهي الدلائل المتضافرة على عصمة النبي ، وهذه القرينة تصدّنا عن حمل الآية على وقوع الاستثناء وتحقّقه.
ومثل تلك القرينة موجودة في الآية الأخرى الدالة على خلود المؤمنين في الجنة ، أعني قوله : ( مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ ) فإنّ الحمل على
__________________
(١) الأنبياء : ٢٢.
(٢) المؤمنون : ٩١.
(٣) آل عمران : ١٤٥.
(٤) يونس : ١٠٠.