من الشفاعة كان من معتقدات عرب الجاهلية حيث كانوا يعبدون الأصنام لهذه الغاية ، قال سبحانه واصفاً حالهم : ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ ) (١) فالعربي الجاهلي كان يتخيل انّ مكانة الآلهة الباطلة تكون سبباً لصرف إرادته سبحانه عن معاقبة المجرمين والعصاة ، أو تكون سبباً لجلب عنايته بهم ، فردّ الله سبحانه على تلك المزعمة بقوله : ( قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (٢).
وقال في آية أُخرى واصفاً حالهم أيضاً : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَىٰ ) (٣) ثم رد عليهم بقوله : ( إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) (٤).
وعلى ذلك فالشفاعة بهذا المعنى وهو غلبة إرادة الشفيع على إرادة المشفوع عنده ، بصرف إرادته عن عقوبتهم أو جلب إرادته لرفع منزلتهم مرفوضة في منطق القرآن ، فانّه سبحانه هو الحق المطلق لا يؤثر فيه شيء ولا يتأثر عن شيء ولا يجعل القانون لعبة الشفيع حتى يجري في حق بعض دون بعض ، وانّما الشفاعة التي دعا إليها القرآن شيء آخر ، وهو إيصال الفيض الإلهي ، أعني : المغفرة والعفو الى عباده المستحقين عن طريق أوليائه وأصفيائه ، وذلك لأنّ مشيئته الحكيمة جرت على إيجاد المسبّبات عن طريق أسبابها ، وإحداث الأشياء عن طرقها ، فكما أنّ لكل ظاهرة مادية سبباً مادياً توجد بهذا السبب وتصل إلى الناس عن هذا الطريق ، فهكذا الفيوض الإلهية تصل إلى عباد الله عن الطرق الخاصة المعينة ، وهذا كهداية
__________________
(١) يونس : ١٨.
(٢) يونس : ١٨.
(٣) الزمر : ٣.
(٤) الزمر : ٣.