وهذا على خلاف النظام السائد في الوساطات المادية المتعارفة إذ المجرم فيها هو الذي يبعث الشفيع ليشفع عند الحاكم بحيث لولاه لما تقدم الشفيع بالشفاعة والوساطة عند الحاكم ، فالأمر هنا يبدأ من المجرم ويصل إلى الشفيع وينتهي إلى الحاكم على عكس النظام السائد في الشفاعة الأخروية.
فلو انّ القرآن يحث المسلمين على الحضور عند النبي ومطالبته بأن يستغفر لهم فليس ذلك إلاّ بأمر منه سبحانه وحث منه على هذا الطلب ، فلولا أمره وحثّه سبحانه لما قمنا بذلك ، ولو أنّا قمنا به لما كان له أثر بلا أمر منه سبحانه. وعلى ذلك فلا يصح لقائل أن يستدل بالآية على أنّ الشفاعة القرآنية على غرار الشفاعة الدنيوية حيث إنّ المجرم يطلب من النبي ، وينتهي الأمر إلى الله سبحانه ، فإنّ القائل ذهل عن أنّ كل هذه الأمور تتحقق بأمره وإذنه ، وإرشاده وطلبه بحيث لولاه لما كان هناك بعث ، وعلى فرض البعث لما كانت أيّة فائدة.
ثانياً : أنّ الشفيع في الشفاعة الصحيحة يتأثر بالمقام الربوبي ويخضع له حيث يأمره المولى الحكيم بالشفاعة والدعاء في حق المجرمين المستحقين له ولكن الأمر في الشفاعة الدنيوية على العكس إذ الحاكم يتأثر ، هناك بشفاعة الشفيع كما انّه نفسه يتأثر من تقدم الشفيع إليه وتكلّمه معه.
ثالثاً : أنّ ماهية الشفاعة الدنيوية وواقعيتها ليست إلاّ نوع تفرقة في تطبيق القانون حيث إنّ نفوذ الشفيع ومكانته عند الحاكم ، يوجبان مغلوبية إرادته وغالبية إرادة الشفيع ، فتصبح النتيجة أن يجري القانون في حق الضعيف الذي لا يجد شفيعاً دون القوي الذي يجد شفيعاً ، وهذا بخلاف الشفاعة الصحيحة فإنّها لا تحمل إرادة الشفيع على مشيئة الله ولا تخضع سنته الحكيمة لإرادة أحد وطلبه ، ولا يوجب التفرقة في التطبيق بل غاية الشفاعة هو جريان مغفرته وفيضه عن طريق أوليائه إلى عباده ، فلو حرم البعض من الشفاعة ، فليس ذلك لأجل نفاد