والدعاء مخ العبادة ، فيجب عليك أن تقول : اللّهم اجعلنا ممن تناله شفاعة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
والجواب عن هذا الاستدلال واضح كل الوضوح بعد الوقوف على ما أوردناه في الجزء الأوّل من هذه الحلقات ، حيث قلنا : إنّ حقيقة العبادة ليست مطلق الدعاء ، ولا مطلق الخضوع ، ولا مطلق طلب الحاجة ، بل هو عبارة عن الدعاء أو الخضوع أمام من يعتقد بإلوهيته وربوبيته وانّه الفاعل المختار والمتصرف بلا منازع في الأمور التي ترجع إلى الله سبحانه.
وإن شئت قلت : العبادة هي الخضوع عن اعتقاد بإلوهية المسؤول وربوبيته واستقلاله في ذاته أو في فعله.
وبعبارة ثالثة : العبادة هي الخضوع اللفظي أو العملي أمام من يعتقد بأنّه يملك شأناً من شؤون وجوده وحياته وعاجله وآجله.
إلى غير ذلك من التعابير التي توضح لنا مفهوم العبادة وحقيقتها.
فمن الغريب أن نفسر العبادة بمطلق الخضوع أو الخضوع النهائي وإن كان غير صادر عن الاعتقاد بإلوهية المدعو وربوبيته وإلاّ يلزم أن يكون خضوع الملائكة أمام آدم ، وخضوع الإنسان أمام والديه من الشرك الواضح.
وما ورد في الحديث من أنّ الدعاء مخ العبادة ، فليس المراد منه مطلق الدعاء ، بل المراد دعاء الله مخ العبادة ، وما ورد في الروايات من أنّه : من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان ينطق عن الله فقد عبد الله ، وان كان ينطق عن غير الله فقد عبد غير الله (١). فليس المراد من العبادة هنا : العبادة المصطلحة ، بل استعيرت في المقام لمن يجعل نفسه تحت اختيار الناطق.
__________________
(١) الكافي : ٦ / ٤٣٤ ، الحديث ٤ ، وعيون أخبار الرضا : ١ / ٣٠٣ ، الحديث ٦٣ ، الوسائل : ١٨ الباب ١٠ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٩ و ١٣.