ومن الواضح إنّ جملة ( إِلا مَن شَهِدَ بِالحَقِّ ) تدل على أنّ الطائفة الموحدة لله تملك الشفاعة بإذنه سبحانه ، وعندئذ فلماذا لا يصح طلبها ممن يملك الشفاعة بإذنه ؟ غاية الأمر إنّ الطالب لو كان في عداد من ارتضاه سبحانه نفعه الاستشفاع وإلاّ فلا ، ومن العجب قول محمد بن عبد الوهاب : « إنّ الله أعطى النبي الشفاعة ونهاك عن هذا وقال : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) وأيضاً الشفاعة أُعطيها غير النبي فصح أنّ الملائكة والأولياء يشفعون فإن قلت : الله أعطاهم الشفاعة ، وأطلبها منهم ، رجعت [ عندئذ ] إلى عبادة الصالحين ، التي ذكرها الله تعالى في كتابه » (١) إذ هذه الكلمة من العجائب فإنّه إذا أعطاه الله سبحانه الشفاعة فكيف يمنع طلبها منه ؟! وهذا بمنزلة من ملّك أحداً شيئاً ليستفيد منه الآخرون ولكن منع الآخرين عن طلبه منه ، فهذا لو كان صحيحاً عقلاً فهو غير متعارف عرفاً.
أضف إليه انّه في أي آية وأي حديث منع طلب الشفاعة عنهم. وتصور انّ طلبها عبادة قد عرفت الإجابة عنها ، وانّ العبادة عبارة عن الطلب اللفظي أو الخضوع العملي عمن يعتقد بنحو من الأنحاء بإلوهيته وربوبيته ، وذلك الاعتقاد لا ينفك عن الاعتقاد في استقلال المطلوب منه ذاتاً وفعلاً ، وكونه متصرفاً في الأمور الإلهية تصرفاً بلا منازع ، وليس هذا الاعتقاد موجوداً في الاستشفاعات المتعارفة بين المسلمين.
٢. انّ طلب الشفاعة يشبه عمل عبدة الأصنام في طلبهم الشفاعة من آلهتهم الكاذبة الباطلة وقد حكى القرآن ذلك العمل منهم ، قال سبحانه : ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ ) (٢) وعلى ذلك فالاستشفاع من غيره سبحانه عبادة لهذا الغير.
__________________
(١) كشف الشبهات : ٦ / ٩.
(٢) يونس : ١٨.