والجواب عن هذا بيّن أيضاً ، فانّك إذا أمعنت النظر في مفاد الآية لا تجد فيها أيّة دلالة على أنّ شركهم كان لأجل الاستشفاع بالأصنام وكان هذا هو المحقق لشركهم وجعلهم في عداد المشركين ، وإليك توضيح ذلك فنقول :
إنّ المشركين كانوا يقومون بعملين : ( العبادة ) ويدل عليه ( وَيَعْبُدُونَ ... ) و ( طلب الشفاعة ) ويدل عليه : ( وَيَقُولُونَ ... ) وكان علة اتصافهم بالشرك هو الأوّل لا الثاني ، ولو كان الاستشفاع بالأصنام عبادة لها بالحقيقة ، لما كان هناك مبرر للإتيان بجملة أُخرى ، أعني قوله : ( وَيَقُولُونَ هَٰؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا ) بعد قوله : ( وَيَعْبُدُونَ ... ) إذ لا فائدة لهذا التكرار ، وتوهم انّ الجملة الثانية توضيح للأولى خلاف الظاهر ، فإنّ عطف الجملة الثانية على الأولى يدل على المغايرة بينهما إذ لا دلالة للآية على أنّ الاستشفاع بالأصنام كان عبادة فضلاً عن كون الاستشفاع بالأولياء المقربين عبادة لهم.
نعم ثبت بأدلّة أُخرى ( لا من الآية ) بأنّ طلب الاستشفاع بالأصنام يعد عبادة لهم وذلك لما قلنا من أنّ المشركين كانوا يعتقدون بإلوهيتها وربوبيتها واستقلالها في الأفعال (١).
٣. طلب الحاجة من غيره سبحانه حرام ، فإنّ ذلك دعاء لغير الله وهو حرام قال سبحانه : ( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) (٢) وإذا كانت الشفاعة ثابتة لأوليائه وكان طلب الحاجة من غيره حراماً فالجمع بين الأمرين يتحقق بانحصار جواز طلبها عن الله سبحانه خاصة ، ويوضح ذلك قوله سبحانه : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) (٣) ، فقد عبر عن
__________________
(١) وان أردت المزيد من التوضيح ، فلاحظ الجزء الأوّل من هذه الحلقات : معالم التوحيد في القرآن : ٤٩٣ ـ ٥٠١.
(٢) الجن : ١٨.
(٣) غافر : ٦٠.