والاستدلال باطل من وجوه :
أمّا أوّلاً : فلأنّ البراهين الفلسفية قد أثبتت تجرد النفس الإنسانية وبقاءها بعد مفارقة الروح البدن ، وقد أثبت الفلاسفة ذلك بأدلة كثيرة لا مجال لذكرها في هذه الصفحات ، وقد جئنا ببعضها في ما حرّرناه حول الروح في رسالة خاصة ، ولعلّنا نقوم ببيانها عند البحث عن المعاد في القرآن الكريم.
وثانياً : أنّ الآيات صريحة في أنّ المقتولين في سبيل الله أحياء يرزقون قال سبحانه : ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١) وهل يجد الوهابي مبرراً لتأويل الآية مع هذه الصراحة التي لا تتصور فوقها صراحة حيث أخبرت الآية عن حياتهم ورزقهم عند ربّهم وما يحل بهم من الأفراح وما يقدمون عليه من الاستبشار بالذين لم يلحقوا بهم ، وما يتفوّهون به في حقهم بقولهم كما يحكيه سبحانه : ( أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ).
وعلى ذلك فلو كان الشفيع أحد الشهداء في سبيل الله تعالى ، فهل يكون هذا الطلب لغواً ؟!
وثالثاً : أنّ القرآن يعد النبي شهيداً على الأمم جمعاء ، ويقول سبحانه : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلاءِ شَهِيداً ) (٢) فالآية تصرّح بأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم شاهد على الشهود الذين يشهدون على أُممهم ، فإذا كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم شاهداً على الأمم جمعاء أو على شهودهم فهل تعقل الشهادة بدون
__________________
(١) آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧٠.
(٢) النساء : ٤١.