يعود فيصف النبي في الجملة الأخيرة بأنّه « ليس إلاّ نذير » لا المتصرف في عالم الوجود مستقلاً ومعتمداً على إرادته.
والحاصل : انّ كون الآية بصدد بيان أنّ النبي ليس بقادر على إسماع الموتى وهدايتهم ، شيء ، وكونها بصدد أنّ النبي لا يقدر على الهداية والإسماع مستقلاً ومعتمداً على إرادة نفسه ، شيء آخر ، والآية بصدد الأمر الثاني لا الأوّل ، والذي يفيد المستدل هو الأوّل ، ويدل على ذلك قوله سبحانه : ( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) (١) وقال سبحانه : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) (٢) وقال سبحانه : ( وَاللهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) (٣) فهذه الآيات قرينة على أنّ الغاية التي تهدف إليها تلك الآية هو سلب استقلال النبي بأمر الهداية وإسماعهم وان كان يقدر على ذلك بإذنه ، بقرينة قوله سبحانه : ( إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُسْلِمُونَ ) (٤) ، وقال سبحانه : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٥) بل يصفه سبحانه بقوله : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٦) وبذلك تحصل انّ استدلال المستدل غفلة عن هدف الآية.
وإن شئت قلت : إنّ الظاهر من الآيات انّ النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم كان حريصاً على هداية الناس وكان راغباً في إسعادهم كما يحكي عنه قوله تعالى : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) (٧) ، وقال تعالى : ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ
__________________
(١) البقرة : ٢٧٢.
(٢) القصص : ٥٦.
(٣) الأحزاب : ٤.
(٤) النمل : ٨١ ، والروم : ٥٣.
(٥) السجدة : ٢٤.
(٦) الشورى : ٥٢.
(٧) القصص : ٥٦.