وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) (١) وقال سبحانه : ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ ) (٢) وقال سبحانه : ( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) (٣) ، كل هذه الآيات تشهد على إصرار النبي وعلاقته بهداية أُمّته ، وعلى ذلك فيكون المراد من الآيات الناظرة إلى ما يطلبه النبي في أمر الأمّة ، هو نفي كون النبي قائماً بذلك الأمر على وجه الاستقلال ، وعلى نحو الإطلاق ، سواء أشاء الله أم لم يشأ ، بل انّما تنفذ إرادته وعلاقته بهدايتهم إذا وقعت في إطار إرادته سبحانه ومشيئته من غير فرق في ذلك بين الموتى والأحياء ، بإسماع الموتى وهداية الأحياء.
وبذلك يظهر ما تهدف إليه آية سورة النمل ، فإنّ المقصود من قوله : ( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتَىٰ وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) (٤) هو انّك لا تقوم بإسماع الميت الواقعي ، أو ميت الأحياء كالمشركين والمنافقين مستقلاً ، وإنّما المقدور لك هو ما تعلّقت مشيئته سبحانه بهدايتهم ، ولأجل ذلك يقول : ( وَمَا أَنتَ بِهَادِي العُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُسْلِمُونَ ) (٥).
وقد وقفت في هذا الفصل الذي أفردناه عن الفصول السابقة على الإشكالات التي نسجتها الأوهام حول الشفاعة وعرفت ضآلتها بوجه واضح ، وفي ختام هذا الفصل نعطف نظر القارئ الكريم إلى نكتة ، وهي انّ الشفاعة وما يرجع إليها من الأبحاث من الأمور المسلّمة بين المسلمين ، ولو كان هناك خلاف فإنّما هو في أثر الشفاعة ، وإنّه هل هو رفع العقاب أو ترفيع الدرجة كما أنّه لو كان
__________________
(١) يوسف : ١٠٣.
(٢) آل عمران : ١٢٨.
(٣) الشعراء : ٣.
(٤) النمل : ٨٠.
(٥) النمل : ٨١.